جعفر عباس

وهكذا توترت العلاقات اللبنانية-السودانية (2)


أعلن مطعم يبيع الوجبات السريعة منح من يشتري منه طعاما كوبونات تجعله مؤهلا للفوز بسيارة رولزرويس، وهكذا أقنعت عيالي بالفوائد الصحية لتلك الوجبات وصرت أدعو أصدقائي إلى بيتنا وأقدم لهم أطنانا من تلك الوجبات للفوز بأطنان من الكوبونات، إلى درجة أنني صرت مقتنعا بأن الرولزرويس آتية إلى بيتي بلا ريب، بل صرت أتباهى بها «مُقدما».
وحاول أحد أصدقائي إجهاض أحلامي بإبلاغي أنه سمع الشيخ يوسف القرضاوي يقول: إن الجوائز التي تقدمها المحلات التجارية لاجتذاب الزبائن فيها شبهة تحريم، فقررت على الفور عدم متابعة أي برنامج تلفزيوني للشيخ القرضاوي، وتعللت بأنني سأقوم بتطهير وغسل المبلغ الذي سأحصل عليها من بيع الرولز بطريقة الراقصات الشرقيات اللواتي يقمن موائد للفقراء في رمضان تحت مسمى موائد الرحمن، وقلت لنفسي: إن القرضاوي قال «شبهة تحريم» وليس «حرام قطعا». وتناسيت عمدا الأمور المشتبهات بين الحلال والحرام البينين!!
على كل حال طارت مني السيارة، فأصبت بالتهاب في الحجاب الحاجز، وتقصف الأظافر، ولكن أكثر ما حز في نفسي، أن الذي انتزع مني السيارة شخص كنت أكن له كل الحب، فقد جمعني العمل في تلفزيون بي بي سي بشاب لبناني شاطر اسمه عمر زكي العيساوي، ومنذ اليوم الأول لتعارفنا أصبحت أعز صديق له وكاتم أسراره، وكان ممتلئًا حماسة مهنية، ويريد أن ينجح كصحفي، وذهب ذات مرة إلى البلقان فأصاب صاروخ السيارة التي كانت تقله فقتل صحفيا بريطانيا كان معه وأصيب هو بجرح خطير، وحاولت ثنيه عن العمل الميداني، ولكنه عنيد وعاشق للخطر كما يليق بتلميذ للحرب الأهلية اللبنانية، وهكذا ذهب إلى أفغانستان في ذروة الصراع بين طالبان والفصائل الأخرى، وذات يوم التقى بمقاتل صغير يحمل على كتفه صاروخًا، وعرض عليه الصبي شراء الصاروخ من باب التحوط لاحتمال استئناف الحرب في لبنان، وأطنب في تعداد مزايا الصاروخ الذي وصفه بأنه قادر على تدمير أعتى دبابة، ولكن صديقي عمر نبه الفتى إلى أن الصاروخ مضاد للطائرات، وأنه لا يرغب في شرائه، من منطلق أنه حتى في حال تجدد الحرب في لبنان فليس من الوارد أن يخوضها الفرقاء بالطائرات والصواريخ المضادة لها.
هنا قال المقاتل: إنه لم يكن يعرف أن صاروخه مضاد للطائرات وأنه طالما أن الصاروخ لا يصلح لضرب الدبابات والآليات فإنه سيطلقه إلى أعلى من باب التجريب، ووضع صاحبنا الصاروخ على كتفه وهم بالضغط على الزناد ولكن عمر هجم عليه وأسقطه أرضًا بعد أن اكتشف أن مقدمة الصاروخ كانت تتجه إلى أسفل وأنه لو ضغط الفتى على الزناد لأصبح كلاهما جزءًا من الترسبات الجيولوجية لأفغانستان.
المهم أنني ظللت أزن وأطن في أذن صاحبي هذا إلى أن أقنعته بالزواج وكانت تلك الغلطة التي لن أغفرها لنفسي، إذ إنه تزوج بالفعل وأسفرت تلك الزيجة عن إنجاب الولد الذي انتزع مني الرولزرويس، ضاربًا عرض الحائط بالصداقة التي تجمعني بوالديه وغير عابئ بمشاعري، أليس هذا دليلا على أن اللبناني تاجر شاطر: ولد لم يكمل عامه الثاني تشتري أمه وجبة واحدة لأنها كسلانة ولا تريد أن تطبخ وجبة طازجة لوليدها النامي، وتعبئ كوبونا يتيما باسم ذلك الولد الأمي، فيفوز بسيارة لو قدموها للمسيحي الماروني سمير جعجع لانضم إلى حزب الله، وأنا الذي استعنت بجيش من الكتاب لتعبئة مئات الكوبونات، لم أفز حتى بوجبة مجانية.
ألا تتفقون معي أنه لو كان المهاتما غاندي في مكاني لحمل السلاح وأعلن النضال المسلح ضد لبنان؟