مصطفى أبو العزائم

العلاقات السودانية المصرية.. تطورات مطلوبة


بداية لابد من الإشارة إلى الإعلام السوداني الرسمي والخاص الذي لم يتجه في طريق الإساءة إلى الشقيقة مصر، أو الإساءة لقيادتها، بل إن أكثر ما كتب سلباً عن الشقيقة مصر، لم يكن ضد شعبها أو قيادتها، بل كان في عمومياته، رداً على بعض تحريضات المتفلتين في الإعلام المصري، خاصة أولئك الذين تملكوا وامتلكوا الفضائيات ومحطات البث التلفزيوني للتعبير عن مواقف شخصية، أو إرضاء لنزعات ورغبات خاصة، أو (حباً للعظمة) والظهور، مثل ما كان في قناة الفراعنة التي كان يملكها ويديرها أحد شذاذ الآفاق، وهو المدعو “توفيق عكاشة”، قبل أن تلتفت إليه السلطة الرسمية في مصر، بعد أن أساء للجميع في كل مكان، وبعد أن تعدى على حرمات وطنه بأن مدَّ يده للسفير الإسرائيلي ضمن مجموعة ضمت إلى جانبه سفيري الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لـ(بحث) سبل ووسائل حل الأزمة المصرية. وقد قادت تلك الخطوة إلى الإطاحة بالمدعو “توفيق عكاشة” من البرلمان المصري، وأدت إلى (إغلاق) قناة ا(لفراعين) بعد أن أعلن هو نفسه أن إغلاقها جاء اختيارياً، لكن واقع الحال يؤكد على أن مصر الرسمية (ما بتلعبش) في كل ما يتعلق بأمنها.
ما سبق كان استطراداً مهماً وليس مخلاً لابد منه إن أردنا التعرض للعلاقات السودانية المصرية وتذبذباتها التاريخية بين التقارب والتباعد، وفق المنظور الحكومي والرسمي، بعيداً عن أشواق وأمنيات الشعبين في طرفي وادي النيل شمالاً وجنوباً.
بعيداً عن العبارات (المستهلكة) حول العلاقة التاريخية، والتقارب الذي لا انفصام معه، والعبارات المشابهة، علينا أن نتعرف على أسباب التقارب بين الشعوب، وأهمها المصالح المشتركة، ووجود قيم مجتمعية أو دينية مشتركة، ولغة واحدة للتفاهم، وتأثير كل شعب على الآخر، والتأثر به، والشعور المستمر بأن هناك حاجة مستمرة للطرف الآخر، وهذا كله يتوفر بين شعبي وادي النيل، بعيداً عن مزايدات السياسة أو الاختلافات (الطفيفة) الناتجة عن خصوصية كل شعب وانفراده بميزات لا تؤثر على شكل المصالح، مثل (اللهجة) أو موروثات الأنظمة الحاكمة وأثرها على المحكومين، ونسبة التماسك المجتمعي ووحدته في مقابل تعدد الأعراف أو العناصر أو الأديان، مع التأثير المباشر على دول الإقليم الواحد.
للسودان تميزه وامتيازاته في العالمين العربي والإسلامي، وفي القارة الأفريقية، ولمصر تميزها وامتيازاتها، وهما وفقاً لوضعيهما الجغرافي والسياسي وثقلهما السكاني يمثلان مركزاً مهماً للتأثير على كل العالم الآن، ففي ظل المتغيرات التي أخذت تؤثر على كل القارات والمستندة على عدم تهديد الأمن والسلم العالميين، وموقف كل دولة من (بعبع) العصر (المصنوع) وهو (الإرهاب) الذي كثيراً ما يتم اتخاذه ذريعة للتدخل في شؤون الدول والأقطار، خاصة إذا ما كان الأمر يتصل بحدود الأمن الأمريكي الذي تبدأ حدوده عند كل ما يهدد أمن إسرائيل،. وهناك الآن تجارب ونماذج ما زالت ماثلة في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومحاولات زرع بذور الفتنة الطائفية في المنطقة، والإيحاء بوجود (فزاعة) ترتدي العمامة السوداء وتهدد أمن الممالك والإمارات والدول الإسلامية، بأخطر الأسلحة العقائدية.
ما يطمئن النخب الواعية في شمال وجنوب وادي النيل هو ذلك الإدراك العميق لأهمية العلاقة بين السودان ومصر، رغم بعض التطورات السالبة في المنطقة، ويعتبر ذلك محمدة للقيادة في كل من الخرطوم والقاهرة، خاصة بعد أن قام الشعب المصري بثورتين في وقت وجيز على نظامين، حاولا تغيير بوصلة المصالح المصرية.
الآن يعتبر هذا هو أنسب الأوقات لأن ترتفع من جديد الأصوات الوحدوية التي تدعو إلى وحدة وادي النيل.. أو إلى التكامل بينهما.. وهذا أضعف الإيمان.