الطاهر ساتي

بوبار بالأقساط

[JUSTIFY]
بوبار بالأقساط

:: هي دولة عربية صغيرة، بحجم جزيرتي توتي وبدين تقريباً، وذات كثافة سكانية تساوي كثافة الأهل بالحاج يوسف أوالكلاكلات تقريباً، أي ( 2.5 مليون نسمة)..لهذة الدولة نهج إقتصادي (غريب جداً)، إذ تبدوا على مظهر أفراد شعبها كل علامات الثراء والرفاهية و دعة الحياة ورغدها، بيد أنك حين تحدق في جوهر الحال تكتشف بأن كل الشعب ( مديون).. نعم، بأمر النهج الإقتصادي للدولة، فالنظام المصرفي هناك لايشجع أفراد الشعب على (الإنتاج)، بل يدفعهم دفعاً إلى ( الإستدانة)..يتعلمون بالديون، ويشيدون منازلهم بالديون، ويتزوجون بالديون، ولذلك يظل الفرد منهم مديوناً للمصارف من ( المهد إلى اللحد)..و إذا أراد أحدهم أن يغادر البلد لأي أمر، ليس بمقدوره فعل ذلك ما لم ( يوافق البنك)..ولذلك، يسخرون من أنفسهم بأنهم (شعب مسجون)..!!

:: المهم.. رصدت بصحف الأسبوع الفائت إعلاناً مضحكاً ومحزناً لأحد المصارف..كان مصرفاً عاماً ثم باعته الحكومة لبعض العرب ب (الأقساط المريحة)، وسددوا القيمة من أرباح المصرف عاماً تلو الآخر، وفقد الشعب (مصرفاً ناجحاً)..يُعلن هذا المصرف عن برنامج لتمويل الزواج..نعم، برنامج لتمويل ( العرس الواحد ده)..مدة التمويل من عام إلى ثلاث سنوات كحد أقصى، وبهامش ربح (12%) سنوياً، وبتمويل أقصاه (150 ألف جنيه)..وكل المطلوب، حساب توفير أو جاري، وكذلك أن يكون مقدم الطلب ( العريس، العروس، والد وأم العريس، والد وأم العروس)..ولا أدري إن كان على هؤلاء جميعاً التوقيع على الطلب أو أحدهم يكفي؟.. نأمل أن يكون أحدهم، أي العريس – أو والده – فقط، إذ ليس منطقياً أن يذهب العريس إلى والد العروس طالباً : ( يلا أرح أضمني في البنك عشان إجيب ليكم شيلة بنتكم)..!!

:: ثمة سؤال مهم على هامش هذا الإعلان..( ليه شنو ده كلو؟)..أي لماذا يكون الزواج عصياً على الشاب لحد اللجوء إلى المصارف بغرض تمويل زواجه ؟..ما الذي يمنع العريس والعروس عن الإتفاق بحيث لا تتجاوز تكاليف زيجتهما ربع القيمة المذكورة أعلاها بدون تمويل مصرفي أو شروط من شاكلة ( جيب أبوك )، أو( جيب أم العروس)..؟ ..لماذا يهجر الشاب السنة ويفارق الشرع ويرهق نفسه بغرض ( البوبار)..؟ ..ولماذا لايتواضع الجميع بحيث (يمد كراعو قدر لحافو)، أو كما ينصح مثلنا الشعبي؟.. نعم، نفهم – ونتفهم – بأن مراحل ما قبل الزواج، وهي مرحلة البحث عن فرص التوظيف ثم مرحلة الكد من أجل تأسيس المنزل وتأثيثه، مراحل عصية على الشباب ومرهقة للغاية..وقد يُرغم تجاوز هذه المراحل الشباب على الإستدانة من المصارف والأفراد، وهذا ( وضع طبيعي)..!!

:: ولكن ما ليس طبيعياً، هو أن يُكمل الشاب كل تلك المراحل الصعبة بنجاح، ثم يقصد البنوك بغرض تمويل ( الشيلة أو ليلة الزفاف).. فالبنك صاحب الإعلان – حسب برنامج التمويل – يطرح للراغبين في تمويل زيجاتهم (خمس صالات أفراح)، بعضها بالخرطوم و أخرى بالخرطوم بحري، بإعتبار إنها الصالات التي يتعاقد معها البنك.. أي قيمة التمويل – مائة وخمسون ألف كحد أقصى – تورد لحساب ( صالة أفراح).. وهذا ما يسمى شعبياً ( بوبار بالأقساط)..هل العريس ( البوبر بالدين) بقادر على تحمل تكاليف (الحياة الزوجية)، أي حياة ما بعد الزواج؟ ، أو هكذا يجب أن يسأل والد العروس نفسه قبل أن يزج بأبنته في هذه ( المرابحة أو المغامرة)..ثم كيف لهذا العريس بأن يتوفق – بعد البوبار بالتمويل المصرفي – في دفع أقساط البوبار للمصرف بجانب الصرف على البيت ودفع رسوم (النفايات والعوائد) ؟..ما لم يلتحقا – بعد الزواج مباشرة – في وظيفتين مناسبتين، بحيث يسدد العريس أقساط التمويل وتتحمل العروس تكاليف البيت، فالعريس ( ح يخش السجن)..على كل حال، ننتظر..أي مطلوب تجارب لنقيم التجربة، ولقد أحسن البنك عملاً بعدم وضع شروط من شاكلة رهن العروس لحين إكمال العريس (أقساط التمويل)..!!
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]