دعكم من فلسطين فالدار أولى بجهودكم
(عاتبني البعض لأنني لا أخوض كثيرا في قضايا السياسة المعاصرة، وجبراً لخواطرهم سأهريكم بعدد من المقالات السياسية، وستعرفون لماذا لا يخوض صاحب عيال مثلي في شؤون سياسة العربان).
أكتب في كل عيد مناشدا الكتاب الصحفيين، عدم الاستشهاد ببيت الشعر: عيد بأية حال عدت يا عيد……، وليس مرد ذلك أن هناك ثأرا بيني وبين شاعره أبي الطيب المتنبي، لأنه شتم جدي كافور شتيمة الأراذل، ولكن لأنني لا أرى طائلا في البكاء التماسيحي على الأطلال، ومن ثم أدعو الكتاب لتجاهل المعلبات الشعرية والنثرية المحبطة، وممارسة الفرح بأن الله مدّ في أيامهم فشهدوا عيدا جديدا، وبلاش مواويل «أخي جاوز الظالمون المدى».
والظالمون المقصودون هنا هم الصهاينة، بينما الذين ظلوا يعدوننا بالنصر القريب، «صهينوا» أمر إسرائيل، وألحقوا بشعوبهم أبشع أنواع الظلم، مستخدمين العسكر الذين تم تسليحهم حتى الأسنان بزعم أنهم سيحررون فلسطين، لتجريدنا من جميع الحريات، بل حتى حرية التنفس مقيدة في معظم الدول العربية «بس ولا نَفَس»! ثم، ومن خلف ظهورنا يطبطبون على ظهور القادة الإسرائيليين، عرفانا بالجميل، فوجود إسرائيل ذريعة لبقائهم في الكراسي حتى أصيبت تلك الكراسي بالبواسير، وقد أعطاني نزار قباني الأذن بتحوير قوله عن الحب، بأننا لو لم نجده على الأرض «لاخترعناه»، لأقول إن حكام العرب لو لم يجدوا إسرائيل لاخترعوها.
تعالوا نتكلم بصراحة وجسارة: في ظل الظروف والمعطيات الراهنة، فإنّ فلسطين لن تتحرر إلا بقرار من الأمم المتحدة، وذلك القرار لن يصدر طالما هناك الولايات المتحدة، ولكن بالإمكان الالتفاف على الأمم والولايات المتحدة، بأن ننسى أمر فلسطين، أي نكف عن الحديث عن أن تحريرها «أولوية»، ويعمل شعب كل دولة عربية على تحرير نفسه من الاستعباد والاستعباط والذل والقهر، أي تعالوا نعمل بمنطق الدار أولى من الجار، والجار هنا هو «فلسطين»، لننهض ونصبح سادة قراراتنا، لنهب لنثبت أننا لسنا قُصَّراً، حتى يفرض علينا الوصاية رعاة يعاملوننا كبهائم، ولا تبتلعوا الطُعم عندما يقولون لكم: شوفوا اللي صار في دول ما يسمى بالربيع العربي.. اقتتال وحروب داخلية ودمار.
ما كانت فيتنام الجنوبية أن تتحرر، لو لم ينجح الفيتناميون من تحرير فيتنام الشمالية، وما كان الغرب لينجح في تفكيك المعسكر الاشتراكي والتسبب في انهيار عاصمته موسكو، ما لم يبدأ ببولندا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا (تفكيك هذه الأخيرة أراحنا من اسم طويل يسبب الشد العضلي للسان، والشلل الرعاش للقلم، والآن ما أسهل أن تتكلم عن جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا، وأتمنى أن يمد الله في أيامي حتى أشهد تفكيك سلوفاكيا إلى جمهوريتي «سلو» و«فاكيا»).
والشاهد يا أعزائي، هو أنه ما أن تتحرر الشعوب العربية من قيودها، حتى يصبح أمر تحرير فلسطين محسوما من دون تصويت أو «تصويب» سلاح، فإسرائيل هزمت بنفسها مبررات إنشائها، فقد كان من المفترض أن تكون الملاذ الآمن لليهود، ولكن ما من بقعة على الأرض يعيش فيها اليهود في رعب مقيم كإسرائيل، واستمعت قبل أيام إلى عدد من يهود اليمن احتل الحوثيون مناطق إقامتهم، يقولون إنهم لن يرحلوا عن اليمن، وإسرائيل أقوى عسكريا من أي دولة من دول حلف الأطلنطي منفردة، ولكن الهنود العُزّل من السلاح هزموا أقوى إمبراطورية في التاريخ الحديث (بريطانيا)، ويوم يدرك الإسرائيليون أنهم محاطون بشعوب حرة تؤمن بأن الحرية لها ولسواها، ستمد يداً ذليلة تطلب العفو والسماح وتناشدنا: خلونا في حدود 1967 وبلاش الله يخليكم من حكاية «المسح من الأطلس».