جمال علي حسن

عناوين كالحة في جناح السودان بمعرض البحرين


في معرض البحرين الدولي للكتاب والذي اختتمت فعالياته قبل أيام كان جناح السودان الذي مثلته بعض دور النشر السودانية يطفح بعناوين كئيبة تسوق لوجه مأزوم ومضطرب للسودان.. بل حوى مجموعة كبيرة من الكتب التي نعتقد أنها تحمل محتوى يخاطب قارئا محلياً داخل السودان ولا تملك تلك الكتب مفاتيح التخاطب مع قارئ ربما يكون خالي الذهن تماماً عن فضاء القضية المحلية جداً التي يتناولها الكتاب. بينما تجد أجنحة الكثير من البلدان الأفقر من السودان حضارياً وثقافياً وتاريخياً تبرز عناوين نابضة دون إسفاف وزاهية دون تزييف لكنها الأنسب للقارئ الخارجي بل تجبره على الوقوف عندها وتصفحها، سواء كانت كتباً سياسية أو إنسانية أو ثقافية وأدبية طبعاً .. تسويقنا لأنفسنا أكبر قضية نواجهها حقاً.. سألت بطريقة لطيفة (عمك كبير) كان يجلس صامتاً متجهماً خلف طاولة الكتب: لماذا تصرون على عرض وتسويق هذه العناوين بالذات دون غيرها.. لماذا تعرضون هذه الكتب المحلية التي لا يكاد القارئ هنا يفهم موضوعها ولا يهمه من الأساس.. أين مؤلفاتنا السودانية الأخرى حتى السياسية منها التي تحوي معلومات وتقدم أفكاراً ورؤى وحلول.. أين تاريخنا السوداني؟ أين دواوين شعرائنا العظماء؟.. أين مكان الورود وأحلام الحياة والمستقبل داخل هذا الجناح.. أين ثرواتنا وإمكانياتنا أين مؤلفات كتابنا الإنسانية والأدبية التي تصلح لكل مكان ولكل قارئ أياً كان.. أين قيمة الجمال في جناحكم هذا؟!.. أين (بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت) أين (يختبئ البستان في وردة)؟ أين كتاب (البناء الاجتماعي للمهدية في السودان) و(تاريخ السودان القديم)، (أضواء على حضارة كرمة) و(نبتة ومروي في بلاد كوش: بحث في تاريخ السودان القديم)؟ أين رواياتنا السودانية العظيمة؟، لماذا تصرون على جعل جناح السودان في معرض الكتاب بهذا الوجه الكالح؟.. وعشرات العناوين السودانية كان من الممكن على الأقل وضعها بجانب هذه العناوين الكئيبة لتقديم صورة أمينة ومعقولة عن السودان.. نعم مآزق السياسة ومآسي الحرب هي واقع لا يمكن إنكاره أو مواربته لكن طالما أنه معرض كتاب دولي وفي عاصمة خليجية كان من الممكن إعطاء لمحات أخرى أكثر نضاراً عن السودان بجوار هذه الكتب المتوحلة في طين الأزمات . سيعترضني بعض مدمني مخطوطات الكآبة الثقافية ويصفونني بمحاولة تجهيل الآخرين عن حقيقة واقعنا وتزوير الواقع لكن عليهم أن ينتبهوا إلى أن الكتاب ليس بياناً سياسياً ولا منشوراً حزبياً تنتهي فعاليته ومهمته بعد مرور ساعات الحدث الذي كتب لأجله البيان .. وسوداننا اليوم يواجه مشكلة أفكار لا مشكلة شعارات ويواجه أزمة وسائل موضوعية هادئة وناجزة لحلحلة قضاياه لا تكاد تتوفر داخل بطون هذه الكتب الصاخبة الصارخة التي تستغرق في توصيف الأوجاع ولا تملك أكثر من ذلك بل لا تريد أكثر من إبلاغ رسالة الوصف الذي يشعل المشاعر ويثيرها كما يفعل البيان الذي يرجو كاتبه أن تشتعل بعده ثورة.. فلا هي ثورة ولا هو كتاب . شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين.