حول زيارة العاهل السعودي إلى مصر
بعث إليَّ الأخ المهندس “يس أحمد” رسالة على رقم هاتفي في تطبيق (الواتساب)، يطلب إليَّ أن أحلل نتائج زيارة خادم الحرمين الشريفين، الملك “سلمان بن عبد العزيز” إلى مصر واجتماعه بفخامة الرئيس المصري المشير “عبد الفتاح السيسي”، وقد حدد ثلاثة أسئلة في ثلاثة محاور، طالباً الإجابة عليها من وجهة نظر مراقب للأحداث، المحور الأول منها هو الأهداف الإنمائية الرسمية الناتجة عن هذه الزيارة.. والثاني هو الأبعاد الإقليمية والدولية لها، والثالث هو إمكانية ترسيم حدود بين “السودان” و”المملكة العربية السعودية” مستقبلاً.
رسالة الباشمهندس “يس” كانت أول أمس، وقد رددت عليه بأربع كلمات: (جداً بإذن الله تعالى).. أخذت بعدها أراجع الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى مصر، أراجع تفاصيلها منذ لحظة وصوله أرض الكنانة، حتى مغادرته لها، أتبين الخطى وأراجع الاتفاقيات، وأعيد قراءة البيان الختامي أكثر من مرة، عسى أن يفتح الله عليَّ بفهم صحيح للأمور، ويوفقني في الإجابة على الأسئلة الثلاثة.
بالنسبة للمحاور الإنمائية أو تلك النتائج المرتبطة بالتنمية، فقد تمثلت في تأسيس صندوق مصري سعودي للاستثمار برأسمال قدره (60) مليار ريال سعودي، مع التزام الحكومة المصرية بتقديم كل التيسيرات المطلوبة للمستثمرين السعوديين، وتكوين لجنة خاصة لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها، والدفع بالمشروعات المشتركة بين البلدين إلى آفاق أرحب، ومن بينها مشروع (جسر الملك سلمان) الذي يربط بين البلدين.
لابد من الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ خلال العام (2014-2015) حوالي الخمسة مليارات دولار أمريكي، وتحتل الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الدول المستثمرة في مصر بإجمالي مساهمات سعودية في رؤوس الأموال المصرية للشركات بلغت حتى بداية هذا العام 2016م حوالي (6,13) مليار دولار.
بالنسبة للصندوق المصري السعودي للاستثمار تكون المساهمة فيه مناصفة بين البلدين.. وفي جانب التنمية أيضاً تم التوقيع على اتفاقية تمويل إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة، واتفاقية للتعاون بين البلدين في مجال استخدامات الطاقة النووية.
أما بالنسبة للأبعاد الإقليمية والدولية للزيارة التي استحقت اسم (تاريخية)، فإنها من المؤكد ستعيد ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط، وكان أول ردود الفعل لإنشاء (جسر الملك سلمان)، قد جاء من “إسرائيل” التي أعربت عن انزعاجها وقلقها على هذه الاتفاقية تحديداً من بين (17) اتفاقية تم التوقيع عليها، لكن الذي يزعجها أكثر فيما يبدو (تعيين) الحدود بين “مصر” و”السعودية”، وهناك بالقطع فرق بين (تعيين) و(ترسيم)، خاصة وأنه لم يتم الإعلان عن نصوص تلك الاتفاقية، رغم أن الذي وقع عليها من الجانب السعودي ولي العهد السعودي سمو الأمير “محمد بن سلمان الذي يشغل في ذات الوقت منصب وزير الدفاع، بينما وقع عليها من الجانب المصري رئيس الوزراء الدكتور “شريف إسماعيل”، وكان وفد سعودي قد زار مصر أوائل (مارس) الماضي برئاسة الدكتور “عبد العزيز الصعب” رئيس هيئة المساحة السعودية، ويبدو أنه أكمل مهمته بنجاح قاد إلى التوقيع على الاتفاقية التي حسمت النزاع المتصاعد في فترة ما، والمكتوم إلى وقت قريب حول جزيرتي “صنافير” و”تيران” اللتين يعود النزاع حولهما إلى العام 1950م، وقد شملت الاتفاقية كل الحدود بين البلدين في المساحة الواقعة في البحر الأحمر من خط ح ح جنوب مصر وحتى خليج العقبة، وهو ما اعتبره مراقبون اعترافاً سعودياً بمصرية “حلايب” و”شلاتين” على اعتباره أصبح أمراً واقعاً.
أما بالنسبة لمحور إمكانية ترسيم الحدود بين “السودان” و”المملكة العربية السعودية”، فإن ذلك غير وارد – على الأقل الآن – إذ إن هناك اتفاقيات ثنائية سابقة لاستغلال ثروات المناطق المشتركة، والتي أنشئت بموجبها الهيئة السودانية السعودية المشتركة لاستثمار ثروات البحر الأحمر، التي انتعشت في عهد الرئيس “النميري” خاصة في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، لكنها أضحت تاريخاً غير منتج في زماننا هذا.