ضياء الدين بلال

حملات نمر التدميرية!


[JUSTIFY]
حملات نمر التدميرية!

حملة شرسة يقودها معتمد محلية الخرطوم، اللواء عمر نمر، ضد الأكشاك التي تباع فيها الصحف؛ والمبرر المعلن للحملة: التنظيم والتجميل!

من حقنا أن نشتبه في نوايا وأغراض الحملة، ونرجح أن يكون الغرض من تكسير وإزالة الأكشاك، هو الحد من توزيع الصحف وإضعاف تأثيرها العام.
في عموده المقروء بالزميلة (الرأي العام)، كتب الأستاذ/ العبيد أحمد مروح، الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، أن إزالة الأكشاك وعدم الإيفاء بتوفير بدائل، من الأسباب الأساسية لتراجع توزيع الصحف.

لا أحد يمانع من تنظيم أي عمل، بشكل يحقق المصلحة العامة، ولا يتضرر منه النشاط المعني، خاصة إذا كان النشاط مرتبطاً بمهنة من أهم أولوياتها تحقيق مصلحة الشعب، في توفير المعلومات وتشكيل الرأي العام.

محلية الخرطوم التي تنشط في منح تصاديق أكشاك (الفشار والتسالي والآيس كريم)، على طول امتداد شارع النيل، تزيل الأكشاك التي تبيع المعرفة عبر الصحف والكتب والمجلات.

أكشاك لها تصاديق ورخص منذ الأربعينيات، تُزال بقسوة وعنف إداري محروس بالشرطة، وسعادة اللواء نمر غير معنيٍّ بما سيترتب من أضرار على عشرات الأسر، التي ظلت لعقود وسنوات طوال، توفر لها عوائد هذه الأكشاك السترة والرضا وراحة البال.

إذا كان الأمر أمر تنظيم؛ فمن السهولة الاتفاق مع أصحاب الأكشاك، على الالتزام بشروط محددة، ولاقتصر أمر الإزالة على الأكشاك العشوائية غير الملتزمة بالشروط المنظمة.

تزعجني جداً هذه الروح الإدارية، التي تستسهل قطع أرزاق المواطنين البسطاء، إذا كانوا أصحاب مكتبات أو (فرّيشة) على الأرض بالسوق المركزي أو بسوق حلايب.

في الوقت الذي تجد فيه والياً مثل محمد طاهر إيلا بالبحر الأحمر، يهتم بشرائح المعاقين وأصحاب الحاجات الخاصة والصيادين وكلات المواني، ويساعدهم في تحسين وسائل كسب عيشهم وترقية مهنهم؛ يبرز في الخرطوم نهج عمر نمر، القائم على إزالات القوة الجبرية وعدم توفير البدائل!

لماذا لا تدار المعالجات في مثل هذه القضايا على هدى القاعدة الفقهية: (لا ضرر ولا ضرار)، بابتدار حلول تحقق مصالح الجميع دون الإضرار بطرف.

طريقة عمر نمر تقوم على الحلول الثورية والفورية السهلة، التي تتم وفق تدابير أمنية صارمة، تنجز المطلوب في اللحظة، دون اكتراث بمترتبات ذلك على المستويين الاجتماعي والسياسي في المدى المتوسط أو البعيد.

قناعتي أن هناك تياراً له موقف نفسي معادٍ للصحف، لا يضيع فرصة لإيذائها، والحد من انتشارها وتأثيرها، وسبق أن كتبت:

من مصلحة الحكومة لا أن تسمح للصحافة بالقيام بدورها في الرقابة والتوعية المسؤولة، ولكن أن تساعدها في إنجاز تلك المهام على أكمل وجه.
الصحافة الحرة القادرة على الحصول على المعلومات، والوصول إلى المسؤولين، والتواصل مع الجماهير؛ تمثل إحدى مكونات الجهاز المناعي للدولة، في مواجهة البكتيريا التي تستغل غياب الضوء وغبش الرؤية ورخاوة الانتباه، لإلحاق أكبر ضرر بجهاز الدولة وبنية المجتمع، في مقابل كسب مغانم ذاتية محضة.
من المهم جداً أن تتجاوز الحكومة تصور أن الصحافة تمثل ملاذات آمنة لأعدائها، ومكمن مخاطر مقبلة، فهذا التصور سيصبح المحدد الدائم للتعامل مع الصحافة تشريعياً عبر القوانين التعسفية، أو عبر الإجراءات الاستثنائية.. ولا فرق بين الاثنيْن.
إضعاف الصحافة عبر التعسف القانوني أو الإجراءات الاستثنائية، لا يحقق مصلحة الدولة، بل هو خطر عليها.
يجب ألا ينجح البعض في تسويق مخاوفهم تجاه الصحافة، من أن ترفع الأغطية عن بعض ما يفعلون، في تسويق تلك المخاوف لجهاز الدولة ليخوض معركتهم نيابةً عنهم.
فالصحافة السودانية في كل القضايا المفصلية، كانت أول المعينين في تجاوز الأزمات وتحقيق الانتصارات.. فليس من الممكن أن تكون في الأوضاع العادية قيد الشك والاشتباه، وعندما تأتي الحاجة إليها تمنح أنواط الوطنية والجدارة!.
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني