استفيدوا من ثقافتي «الانقلابية»
يفترض أنني كصحفي، ملم بمجريات الأمور من حولي، ولكنني بصراحة -وأرجو عدم تسريب هذه المعلومة إلى جهة عملي- «شاهد ما فاهمش حاجة»، نعم أشهد ما يجري بانتظام، ولكن الفهم -مثل الزواج- قسمة ونصيب، وعلى سبيل المثال لا أعرف من يحكم ليبيا وكل فصيل مسلح فيها يزعم أنه «الحكومة».
عندنا في السودان يحدث الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح «كتامي» بقدر الإمكان، وبأقل كمية ممكنة من النيران، وقد شهد السودان منذ استقلاله ثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة تماما، وانقلابا نجح ثلاثة أيام، وست محاولات انقلاب (فاشلة) معلنة، وأخرى لا نعرف لها عددا تم التكتم عليها، ولم يكن احتلال المطار من أولويات اي من تلك المحاولات الناجحة أو الفاشلة، ولكن لم يحدث أن حاول طامعون في السلطة باحتلال مدينة ما ثم إعلانها «مقرا» لحكومتهم.
وبالتالي رغم جهلي بتفاصيل وجدوى ما تشهده ليبيا وسوريا والعراق، وما ستشهده دول عربية أخرى قريبا، فإنني خبير في كيفية الاستيلاء على السلطة من دون مواجهة مقاومة أو مواجهة مقاومة محدودة جدا، وإليكم في ما يلي خطة مضمونة النتائج (ولا شأن لي بالعواقب) للوصول إلى السلطة بقوة السلاح:
أولا «تَمَسْكن حتى تتمكن»، بمعنى أن تتصرف الجماعة العازمة على الاستيلاء على السلطة كأنها قليلة الحيلة، فيغشى قادتها بيوت الأفراح والعزاء، بل يسافر بعضهم في إجازات ترفيهية تمويهية، ويتم التحشيد والتعبئة في صمت تام على أضيق نطاق ممكن، ولأن السلاح يصلح فقط للاستيلاء على المواقع والأماكن، وليس «القلوب»، لا بدَّ من ضم عدد محدود من المثقفين في الخطة من دون إبلاغهم بتفاصيلها أو بساعة الصفر، ودور هؤلاء هو صوغ البيانات من 1 إلى 5، لأنّ العساكر يكتبون البيانات بلغة تسد النفس، وبعد البيان الخامس سيكون طابور المثقفين الجاهزين لخدمة الانقلاب الناجح طويلا فيتم توزيعهم على السفارات ووسائل الإعلام مع إسناد وزارتين أو ثلاث إلى مثقفين معروفين لـ«كف العين»، وعند التحرك الفعلي والتنفيذ يتم اعتقال القيادات العسكرية والتنفيذية الكبيرة وهم في بيوتهم، ثم محاصرة فروع القوات المسلحة غير المشاركة في الانقلاب، واحتلال محطات الإذاعة والتلفزيون ثم إذاعة البيان رقم 1، على أن يتضمن عبارة «سنضرب بيد من حديد كل من يعترض طريق الثورة الظافرة»، وتكون خاتمته «سيسري حظر التجوال من الخامسة مساء حتى التاسعة صباحا»، ولكن من دون الإشارة إلى أن مثل هذا الحظر يقود إلى الترابط الأسري والتناسل والتكاثر، كما قال الدكتور حسن الترابي رحمه الله، لتبرير إخضاع سكان العاصمة السودانية لحظر التجوال المسائي طوال أربع سنوات بعد تدبيره انقلاب 30 يونيو 1989 «الإسلامي»، ولما انقلب تلاميذه عليه صار ليبراليا وحليفا للحزب الشيوعي، ويجيز تولي المرأة الرئاسة وإمامتها الصلاة.
ولكن أهم شيء في أي انقلاب هو أن يتم قبل صلاة الصبح، وبداهة فإنّ الانشغال بتأمين الانقلاب سيرغم منفذيه على قضاء تلك الصلاة في اليوم التالي، أو بعد عدة أيام، وهذه بسيطة، فتفويت الصلاة لا يستوجب الكفارة، في حين أن الاستيلاء على السلطة عنوة وغيلة مع ما يستوجبه من سفك بعض الدم وتجريد الملايين من حرياتهم وحقوقهم جرم لا كفارة تسقط عقوبته، ولكن لكل سلطان فقهاء يقولون له: إن كل ذلك «في ميزان حسناتك».
وأدرك أن السيناريو أعلاه لا يصلح اليوم في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو العراق، حيث تعكف أطراف كثيرة على إنتاج سايكس – بيكو عربية، ولكنه سيصلح لاحقا في الدويلات التي ستولد بعض المخاض الحالي، وربما يحفظ لي صنّاع الطبعتين الثانية والثالثة من الثورات العربية «حقوق الملكية الفكرية»، رغم سوء ظني بقدراتهم الفكرية.