مصطفى أبو العزائم

جامعة “مرجان أحمد مرجان”(!)


من أعظم وأفضل أفلام نجم الكوميديا الأسطع في سماء الفن “عادل إمام”، فيلم “مرجان أحمد مرجان” المستثمر ورجل الأعمال المصري الثري، الذي يعايره البعض – ومن بينهم ابنه وابنته- بأنه لم يحمل شهادة عليا ولم يدرس دراسة جامعية تمكنه من الجلوس في الصفوف الأولى لرجال الأعمال الكبار أصحاب الشهادات العليا، والأكبر.. فقرر أن يكمل دراسته وأن يلحق بجامعة “المستقبل” حتى يغطي نقطة الضعف التي يشعر بها ولا يستطيع إخفاءها بكل ثروته، وقد أقنعه ولداه- البنت والولد- بضرورة الدراسة والالتحاق بذات الجامعة التي يدرسان بها.
“مرجان أحمد مرجان” “عادل إمام” بدأ مرحلة جديدة في حياته فصادق بعض زملائه وزميلاته من الشباب الطائش وأخذ يعيش حياة المراهقين، مع وحدته القاسية بعد وفاة زوجته أم ولديه، لكنه كان دائماً يتعامل مع الجامعة وإدارتها بمنطق رجال الأعمال ولغة كبار المستثمرين، ويسعى للنجاح في الامتحانات بذات المنطق مثلما يسعى في ذات الوقت لتحقيق المكاسب من خلال الصفقات الكبرى.
الفيلم الذي تم إنتاجه عام 2007م واجه انتقادات عديدة تلخصت كلها في أن الرسالة التي حملها مضمون الفيلم كانت غير أخلاقية، تكرس للفساد والرشوة والتشجيع على الإسراف والتبذير.
قصة (بيع) جامعة الخرطوم، وفكرة إخلاء مبانيها حتى تكون مزاراً سياحياً، أو مساحات مبذولة في سوق الاستثمار لمن يدفع أكثر، تلك القصة انتهت يوم (الخميس) الأول من أمس، عندما صدر من مجلس الوزراء الموقر ما يفيد – صراحة- بأن قراراً مثل هذا القرار لم يصدر وأن جامعة الخرطوم لن تباع أو يتم التصرف في منشآتها ومبانيها، ولم يصدر أي قرار بنقل جامعة الخرطوم من موقعها الحالي.
قوة ما صدر من مجلس الوزراء الموقر نبعت من أن الرئيس “البشير” هو الذي ترأس تلك الجلسة، وأن المجلس استمع إلى تقرير من وزيرة التعليم العالي الدكتورة “سمية أبو كشوة” حول ملابسات طلب إدارة جامعة الخرطوم تمويل مشروعات تطويرية بمنطقة “سوبا” جنوب “الخرطوم”، وهو ما فسره البعض (خطأ) بأنه تحويل للجامعة والتصرف في منشآتها.
تضارب تصريحات المسؤولين قبل أن يحسم مجلس الوزراء الأمر، وعدم فهم بعضهم لما جرى، وعدم تقدير بعضهم للأفعال والأقوال وردة الفعل عليها، أشعل نيران الغضب، وأعطى المعارضة (الساكنة) فرصة للتحرك بالولولة والصراخ ودغدغة مشاعر الطلاب، حتى خرجوا إلى الشارع، وحدثت مواجهات عنيفة بينهم وبين الشرطة لعدة أيام، وتم اعتقال عدد من الطلاب والطالبات مثلما يحدث في مثل هذه الحالات، وصعدت المعارضة الأمر بالدعوة للمؤتمرات الصحفية وتنظيم الندوات.. ولم تهدأ الأنفاس بسبب أخطاء أولئك المسؤولين الذين لا يعرفون أو يقدرون معنى المسؤولية، ووجدت الحكومة أنها من حيث تدري أو لا تدري قد فتحت (كوبري) للمعارضة حتى تحرز هدفاً غالياً وثميناً في الوقت شبه الضائع، حيث أوشكت الحكومة أن تخرج منتصرة في مباراتها مع المعارضة، إلا أن أولئك المسؤولين تسببوا في الانتكاسة التي تعرضت لها الحكومة، والحرج الذي وجدت أنها تعاني منه بعد اعتقالها لعدد من الطلاب والطالبات.
عقلية “مرجان أحمد مرجان” يجب ألا نتعامل بها في القضايا المصيرية المتصلة بمصائر الأمة والشأن العام، وتعدد الألسنة غير مطلوب في مثل هذه الحالات أو غيرها، إذ لا بد من صوت واحد يعبر عن رأي الحكومة في القضايا الكلية والوطنية، وهذا ليس بالأمر الصعب إذا كانت الحكومة على قلب رجل واحد، لديها مركز تنسيقي للسياسات والأهداف، يصبح هو الناطق الرسمي بما يملك من معلومات وفهم للقضية وفهم لتوجه الحكومة، حتى لا تشعر الحكومة أنها بمعزل عن بقية مكونات الدولة، وهذا قطعاً واحد من أهداف أي جسم معارض يحاول أن يهدي الحكومة عيوبها و(يستثمرها) للإطاحة بها.
أتوقع أن تجري الحكومة والجهات المختصة تحقيقات (سرية) وتحريات دقيقة حول القضية منذ أن طفت إلى السطح، وربما تكون هذه الجهات عند نشر هذه المادة صبيحة اليوم (السبت) – بإذن الله تعالى – ربما تكون قد فرغت من عملها، وربما تنصح بأن يتم إطلاق سراح أبنائنا وبناتنا الطلاب فوراً وهم قد خرجوا إلى الشارع مدافعين عن وجود رمز تاريخي وصرح تعليمي كان له أثره وتأثيره على حياتنا منذ إنشائه عام 1902م باسم كلية “غردون” التذكارية.
ولا بد من تحميل النتائج والتبعات لجهة ما أخشى ألا تكون إدارة الجامعة، أو الوزير الذي صرح بأمر نقل الجامعة وإخلاء مبانيها، وأخشى ألا يتم تحميل المسؤولية لأي من هؤلاء المسؤولين الذين كادوا أن يدخلوا بلادنا في نفق مظلم، بدايته فوضى وآخره دماء.
أما أخشى ما نخشاه فهو أن يتم تحميل مسؤولية ما حدث لجهة (مسكينة) لا يد لها في كل هذا الذي جرى، لتصبح كبش فداء يزيل الحرج عن الحكومة، وأتوقع شخصياً أن يحاول البعض تحميل مسؤولية ما حدث لإدارة الإعلام والعلاقات العامة في جامعة الخرطوم على اعتبار أنها لم تقم بواجبها بشكل كامل يمنع أو يوقف كرة الثلج من التدحرج.. ونحن نعلم أن إدارة إعلام الجامعة لا علاقة لها بالأمر.
أبحثوا عن “مرجان أحمد مرجان” أو عمن يريد أن يتبنى منطقه في التعامل مع هذه القضية الحساسة.