منوعات

“دراويش ومداحين” الفنون والتصوف.. علاقة جذرية

كانوا يرتدون ثياباً بيضاء طويلة واسعة من أسفل ويعقدون أيديهم على صدورهم وعند اقترابهم من أبي ينحنون لنيل البركة، عزفت الموسيقى ثم بدأ الدراويش في الدوران حول أنفسهم ببطء واحداً تلو الآخر، ثم تزايدة السرعة تدريجياً حتى تفتحت أثوابهم السفلى مثل أزهار اللوتس.
هذا مجتزأ من قلب رواية (قواعد العشق الأربعون) عن جلال الدين الرومي، تجمع ما بين التصوف والغرق في ذكر الرحمن وما بين العزف والرقص والغناء.

أكثر من تجمع
الاتصال بالناس وشد آذانهم وجذبهم صفات تجمع بين المتصوفين والمغنين والمنشدين على حد السواء من خلال الابتهالات واختيار المفردات أو الموسيقى التي تأسر القلوب، الناظر للموسيقى بشكل فلسفي يجدها أكثر العلوم التي ارتبطت بالتصوف من ناحية دينية قديمة، حيث ألف العالم فيثاغورث فرقة دينية فلسفية وكان تلاميذه أشد غلوا في التصوف، وحكى التاريخ أنه ورد مصر لينهل من علم الصوت والموسيقى البشرية لاعتقادهم الجازم بأن السماء تبعث الأصوات والموسيقى، أما المسيحيون فيرون في الترنيمات تواصلا إلهيا يأخذهم إلى أرفع درجات الروحانيات وقوة خارقة تجمع بينهم.

علاقة قوية
وكما للكلام أثره في التصوف هناك أيضاً علاقة تربط الفنون التشكيلية والتصوف تظهر من خلال الزخارف التي نقشت على جدران المساجد، وحتى الحجيج يأتون بعبارات روحانية جميلة، ولم تنج حتى السينما التي دخلتها الصوفية عبر فيلم (ألوان السما السبعة) بطولة ليلى علوي وفاروق الفيشاوي، تدور أحداثه حول راقص تنورة محترف وراقصة وفتاة ليل يسعى كل منهما لجذب الآخر لدنياه حتى استطاع أن يجذبها بفنه ورقصه فسعت بدورها لتعلمه.

القرآن مرجعهم
كثير من الفنانين والشعراء في مرجعيتهم نجدهم حفظة للقرآن الكريم زاهدين ومريدين للطرق الصوفية، وفي حديث عن علاقة الفنان بالتصوف فقد روي على سبيل المثال لا الحصر أن صلاح ابن البادية بعد أن حفظ القرآن في مسيد أبو قرون، لم يثق والده في حفظه فأتى بالشيخ مدني من مسيده بالعيلفون ليثني على حفظه للقرآن قراءةً وتجويداً، فرد الشيخ مدني بأنه لا يمكن إجازته إلا بعد شهرين، وذلك بعد أن يجود صلاح قراءة عدد من السور والآيات.
ومن ذلك نخلص إلى أن فناني ومغني سالف العصر والزمان تميزوا بما يحملونه من مخزون لغوي ومخارج للحروف مرجعهم في كل ذلك القرآن، فمكنهم من اختيار المفردة الصحيحة فضلاً عن سرعة البديهة واللباقة.

تشابهات كثيرة
كثير من القصص تحكي عن التصوف وعن الفنون الأخرى بما فيها الرقص والتمايل والانحناءات، ففي ليالي المولد النبوي تؤدي معظم الطرق الصوفية أدواراً من الرقص والغناء الكورالي بالإضافة إلى الابتهالات والديكور والزي الموحد للدراويش فينخرطون في رقصة (سما) التي تبين أنهم اعتلوا أعلى درجات الصفاء الروحي، ومهما علت درجات الشخص العلمية فلابد أن تكون له نبرات صوفية تبين من خلال الوجه الآخر له، وفي حوار مع الفنان البروفيسور أحمد عبد العال قال: “وأخيراً تبين لي أن التصوف الإسلامي وحده هو الذي يشكِّل مادة علم الجمال في الإسلام، وأعني بذلك التصوف عند كبار الأئمة المؤسسين من الذين تحققوا بمقولاتهم وأفكارهم، وذلك كأساس لوحدة الشعور والفكر والقول والعمل، وما ذلك إلّا لأن المتصوفة أقاموا الجمال في البنية الحية في الإنسان، وإن التصوف هو فن التدين باعتبار أن الفن هو تجاوز المعتاد من رؤية الحياة لسبر حقائق الوجود الذي يفضي إلى القرب الأتم من صانعه جل جلاله”، ويرمي البروفيسور أحمد عبد العال إلى أن الجانب الفني في التصوف هو نزوع الصوفي إلى تجاوز المعتاد من رؤية الحياة وحقائق الوجود مما يجعل تجربة كل صوفي تجربة ثرة ومنفردة عن الآخرين.

الخرطوم – درية منير
صحيفة اليوم التالي