يوسف عبد المنان

(4) سنوات


أربع سنوات، هي عمر صحيفة (المجهر) منذ صدورها وحتى اليوم.. أربع سنوات من الصبر على المولودة التي فتحت عينيها على الدنيا وقد انقسم الوطن الواحد لبلدين، وسياسياً شهدت الساحة عراكاً وصراعاً بين القوى الحاكمة والقوى المعارضة.. وعسكرياً وأمنياً كانت الحرب في (أوجها).. والتهديد يطال كوستي والأبيض وحركات دارفور تتوعد بغزوة أم درمان أخرى.. وحينما رأت الصحيفة النور كان سعر الدولار نحو (8) جنيهات.. وكانت الصحافة تخضع جميعها لرقابة مباشرة من جهاز الأمن الوطني.. وبعد أربع سنوات أخذ الوطن في التعافي سياسياً وأمنياً، لكنه لا يزال مريضاً اقتصادياً ويئن تحت وطأة التدحرج إلى أسفل رياضياً.. وما بين التطور الرياضي والنمو الاقتصادي علاقة طردية كما أثبتت الأيام والسنوات.
أمس احتفلت (المجهر) صحيفة السودانيين الوسطيين حتى وإن انتظموا حزبياً.. لأنها صحيفة يقرأها الإسلاميون الحاكمون والإسلاميون المعارضون.. والاتحاديون الديمقراطيون والاتحاديون غير الديمقراطيين، والأنصار وأنصار السنّة واليسار العريض.. واليسار الكلاسيكي.. كل قارئ لـ(المجهر) يجد فيها شيئاً مما يتوق إليه.. و(المجهر) هي صحيفة الشباب والقوى الحية في المجتمع.. أربع سنوات لم تتنازل عن المراتب الأربع الأولى.. تصعد عاماً للأولى ثم الثانية أو الثالثة، لكنها لم تسقط من أيدي القراء.. ولم يلفظها السوق.. ولا تتكئ على سند مالي يمنحها أوكسجين الإعلان لتعيش.. هي تأكل من عرق جبينها.. تعرضت لحرب من السلطة.. ومن ظل السلطة.. والمتخلقين بسلوك السلطة، لكنها لم تبع مواقفها لمعارضة.. ولم تخن شرف الكلمة.. أربع سنوات و(المجهر) تحقق نجاحات شهد بها الجميع، لأنها صحيفة تحترم القارئ وتحترم المهنة، ولا يكتب كاتب (المجهر) تحت رغبات وطموحات وصداقات رئيس التحرير، ولا ينزع رئيس مجلس إدارتها ومالكها لبسط رؤيته على الآخرين.. يترك كل صحافي يكتب بضميره وبما يمليه عليه خلقه.. وهناك كثير من ملاك الصحف يجعلون من صحفهم أبواقاً لهم.. إذا خاصموا جهة، خاصمت معهم الصحيفة.. وأربع سنوات أمضاها كاتب هذه الزاوية مع الأخ “الهندي عز الدين” ولم يبدَّل يوماً كلمة في زاويته.. ولم يتنصل لحظة من مسؤوليته عما يكتب في صحيفته.. وتلك من أسباب النجاح التي جعلت (المجهر) منبراً وطنياً يشع نوراً وبهاءً.. ويبدَّد ظلامات الليل.
أربع سنوات مضت على الصدور وقد تحققت كثير من النجاحات.. وقليل من الإخفاقات والأخطاء، وحينما تمر الذكرى السنوية في مثل هذا اليوم نعتب على أنفسنا ونحن نكتب كثيراً عن أشواقنا الخاصة.. وآلامنا الذاتية، ولا نفي القارئ حقه ولا الوطن ما يتوجب علينا القيام به.. نتقاعس عن مهامنا.. واليوم نطلب من القارئ أن يعفو عنا.. ويصفح.. ويسامحنا إذا أخطأنا وما الإنسان وقلمه إلا خطاء.
غداً يبدأ العام الخامس، ولا يزال الدرب شاقاً والمسيرة صعبة.. والمتاريس واقعاً.. والاقتصاد يكبل الطموحات.. وجراح الحرب غائرة في النفوس.. وآثار الصراع السياسي تلقي بظلالها على الصحافة، ولكن في العام الخامس نتطلع لخدمة أكبر للقارئ السوداني، وانتشار أوسع وسط القراء.. وأن يتمدد العطاء بقيام مركز دراسات (المجهر). ومركز معلومات (المجهر) لخدمة طلاب الصحافة والدراسات السياسية، والأمل معقود على قيادة الصحيفة ممثلة في رئيس مجلس إدارتها الأستاذ “الهندي عز الدين” ورئيس تحريرها الوفي الإنسان “صلاح حبيب” والرائعين في هيئة التحرير “نجل الدين” والصحافي المفكر “عبد الله رزق”.. وشباب الصحيفة الذي له طعم عذب ورائحة عطر، وبالرائعات من بنات بلادي تبقى (المجهر) منارة سامقة تضيء عتمة الدرب الطويل.