صلاح الدين مصطفى : إستفتاء درافور الإداري يشعل الصراع بين الحكومة السودانية والمعارضة
شهد الإسبوع الماضي ارتفاع حدة الجدل بين الحكومة السودانية والمعارضة بشأن الإستفتاء الإداري لإقليم دارفور الذي إنتهى في الثالث عشر من هذا الشهر وينتظر أن تُعلن نتيجته في الأيام المقبلة.
وبينما أصرّت الحكومة على أنه يمثّل آخر استحقاقات اتفاقية الدوحة للسلام، قالت المعارضة الدارفورية إن الإستفتاء يسهم في تمزيق الإقليم المشتعل منذ أكثر من عشر سنوات.
وكان الرئيس السوداني عمر البشير فاجأ الجميع قبل ثلاثة أشهر، في الجلسة الافتتاحية لدورة الانعقاد الثانية للهيئة التشريعية القومية عندما قال إن «الترتيبات تسير سيراً حسناً لإنجاز الاستفتاء الذي سينتظم كل ولايات دارفور خلال شهر نيسان/أبريل».
ونصت اتفاقية الدوحة لسلام دارفور والموقعة في الرابع عشر من تموز/يوليو من العام 2011 بين حكومة السودان وبعض الحركات المسلحة، على أن الوضع الإداري الدائم
لدارفور يتقرّر عبر إستفتاء يجرى على نحوٍ متزامن في كل الولايات في فترة لا تقل عن عام بعد التوقيع على هذا الاتفاق وبعد مرور العام، سيقرر رئيس الجمهورية، بالتوافق مع رئيس سلطة دارفور الإقليمية، إنشاء مفوضية تجري الاستفتاء، وتُضّمن النتيجة في الدستور الدائم. ويشمل الإستفتاء خيارين هما الإبقاء على الوضع الراهن لنظام الولايات أو توحيد دارفور في إقليم واحد.
وبحسب وثيقة الدوحة، إذا أدّت نتائج الاستفتاء إلى الإبقاء على الوضع الراهن، تستمر سلطة دارفور الإقليمية بوصفها الآلية الرئيسة لتنفيذ هذا الاتفاق لفترة أربع سنوات من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق.
لكن لم ينفّذ الاستفتاء بعد عام من اتفاقية الدوحة واستمر الوضع إلى أن انتهى أجل الاتفاقية في تموز/يوليو الماضي، لكن قبيل ذلك تم تمديد أجل الوثيقة لعام آخر بعد أن قررت السلطة الإقليمة تجميد مشاركتها في الحكومة إذا لم يتم التمديد.
ورغم أن هذا الاستفتاء منصوص عليه، لكن خطاب البشير في مطع هذا العام أخرجه للعلن وكأنه شيء جديد. وبدأ الجدل داخل الحكومة والأحزاب المؤيدة لها، حيث شهد البرلمان السوداني نقاشات حادة حول هذا الموضوع واختلف النواب بشأنه، خاصة نواب دارفور، حيث طالبت الغالبية بضرورة تأجيله لتوقيت آخر مناسب، بينما أيّد آخرون الخطوة باعتبارها استحقاقا دستوريا بعد أن تم تضمين إتفاقية سلام الدوحة في دستور البلاد.
ولإحتواء الأمر، نشطت الحكومة في كبح جماح الأصوات المعارضة، فخرج أحمد بلال عثمان، وزير الإعلام السوداني، سريعا في مؤتمر صحافي ليعلن إن هذا الاستفتاء هو استحقاق دستوري يستند على وثيقة سلام دارفور الموقعة في الدوحة وليس له علاقة بمؤتمر الحوار الوطني.
أعقبه مصطفى عثمان إسماعيل، رئيس القطاع السياسي لحزب المؤتمر الوطني، الذي قال إن الحزب كوّن لجنة لوضع ترتيباته لهذا الإجراء باعتباره جزءا لا يتجزأ من الاتفاقية. وأشارت حليمة حسب الله، عضو المجلس الوطني إلى أن استفتاء دارفور حول بقائه كإقليم أو تقسيمه إلى ولايات، هو إلتزام باتفاق الدوحة الذي يستوجب إنفاذه، وأوضحت أن تمديد فترة السلطة الاقليمية لعام آخر، استوجبته ضرورة ملحة وذلك لتكمل السلطة المهام الموكلة إليها ومنها الاستفتاء.
ووجدت هذه الخطوة انتقادات واسعة من الأحزاب السياسية التي أقامت العديد من الندوات المناهضة للإستفتاء وأصدرت عددا من البيانات، ووجد الرفض من الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة وكذلك من منظمات المجتمع المدني والناشطين في الشأن الدارفوري. وأعلن ناشطون أن وثيقة الدوحة تحتوي على أوليات ملحّة على رأسها معالجة الوضع الأمني من خلال تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية ونزع السلاح من أيدي المواطنين بكل انتماءاتهم وهو ما لم يحدث.
واستبق الرئيس السوداني موعد الاستفتاء بزيارة وصفت بالتاريخية لكل ولايات دارفور، وأعلن البشير ـ في هذه الزيارة ـ إلتزام حكومته بتنفيذ إجراءات الاستفتاء الإداري في دارفور دون تدخل في آراء المواطنين، ودعا المواطنين للإقبال على الإقتراع لإنجاح الاستفتاء.
واعتبر مراقبون أن الزيارة مثّلت دعما كبيرا لعملية الاستفتاء وحافزا لإنجاحه من كافة النواحي الأمنية والإدارية والإعلامية وشُبّهت هذه الزيارة بتلك التي تمت قبل الانتخابات الأخيرة. واعتبر كثير من المحللين أن الزيارة حسمت أمر الاستفتاء الإداري لدارفور عبر خيار «الولايات» الذي دعمته الحكومة والأحزاب الموالية لها ورفعه المواطنون شعارا في كل الولايات التي زارها البشير.
وبعكس الانتخابات الأخيرة، فقد صمت المجمتع الدولي حيال الاستفتاء ماعدا الولايات المتحدة الأمريكية التي أربكت الحكومة السودانية قبيل يوم واحد من بدء الإقتراع، وقالت ـ في بيان لها ـ إن إستفتاء دارفور يقوّض عملية السلام الجارية الآن، وأوضح نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر، إن الوضع الحالي لا يتيح لشعب دارفور التعبير عن إرادته.
وأضاف البيان إنّ إنعدام الأمن في دارفور والتسجيل غير الكافي للسكان يمنع النازحين في المخيمات من المشاركة الكافية، واعتبر البيان أنّ حظر سكان دارفور الذين يقيمون خارجها من التصويت، يحرم الملايين من اللاجئين والنازحين من المشاركة، وأبدت واشنطن قلقها البالغ إزاء خطة الحكومة السودانية لإجراء استفتاء حول المستقبل السياسي لدارفور.
وقالت إن السلام الدائم في السودان يتحقق فقط من خلال عملية سياسية تعالج الأسباب الكامنة وراء الصراع في دارفور، ويضمن وقفا مستديما للأعمال العدائية، ويخلق مساحة للمشاركة في حوار وطني شامل وحقيقي.
وتوافقت رؤية الولايات المتحدة الأمريكية مع رؤية المعارضة التي أشارت إلى بطلان استفتاء دارفور إجرائيا لعدم استقرار الإقليم ووجود نصف سكانه في معسكرات النزوح وغياب ثلث مواطنيه لاجئين في الخارج، إضافة إلى أن الاستفتاء يقام من طرف واحد هو النظام.
وقال جبريل ابراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، إنّ القصد الأساسي من الاستفتاء هو شرعنة تقسيم الإقليم على أسس عرقية وتأسيس منهج لصراع عرقي وإثني مستمر، وأكّد خطورة الوضع.
وأضاف أن الحكومة تريد، خلق أمر واقع في طاولة المفاوضات لتقطع حجة المتفاوضين في الحديث عن الوضع الإداري لدارفور، باعتبار أن الإستفتاء حسم هذه النقطة.
وأشار إلى إن الوضع في دارفور الآن لا يتيح للمواطنين الإدلاء برأيهم بحرية، مدللا على ذلك بإنعدام المناخ الصالح للاستفتاء، بتهجير مئات الآلاف من مناطقهم بسبب الأحداث الأخيرة في جبل مرة ووجود حالة الطوارئ.
وقال رئيس حركة العدل والمساواة الجديدة، منصور أرباب يونس، في تعميم صحافي عشية بدء الإقتراع، إن إستفتاء دارفور يمثل أكبر كارثة سياسية واجتماعية على السودان في المستقبل القريب والبعيد، مشيرا إلى وجود معظم سكان دارفور في معسكرات النزوح ومخيمات اللجوء.
وأثناء عملية الإقتراع، خرج طلاب جامعة الفاشر في تظاهرة ضد عملية الاستفتاء قابلتها السلطات الأمنية بالعنف والغاز المسيل للدموع وأعتقلت عشرات الطلاب.
واطلقت مجموعة من الناشطين حملة بعنوان «الاستفتاء ليس خيارنا» دعت من خلالها المواطنين لمقاطعة عملية الإقتراع. وينشط مطلقو الحملة في توضيح وجهة نظرهم، مشيرين إلى أن الوقت ليس مناسبا لهذه العملية والأولوية لإنقاذ أهل دارفور.
وتقول المجموعة في واحد من منشوراتها «نحن نناهض هذا الوضع الذي من المتوقع أن يحدث كارثة في المستقبل القريب، ومن واجبنا تثبيت الحقوق وانتزاعها. كمواطنين لنا حق رفض تزييف إرادة الشعب السوداني عامة، والسبيل لإيصال صوتنا واحد وهو التعبير عن إرادتنا بمقاطعة ورفض إجراء الإستفتاء».
صلاح الدين مصطفى