دكتارتورية تسمية الشوارع !!
* جاء في الألنباء أن والي الخرطوم عقد اجتماعاً موسعاً مع لجنة تسمية المعالم الجغرافية والشوارع بالولاية، التي يرأسها البروفيسير يوسف فضل، واستمع لتقرير حول أداء وعمل اللجنة ومقترحات أسماء وأرقام الشوارع والمعالم الجغرافية التي ستبقى ـ حسب قرار اللجنة ـ سرية إلى حين إعلانها رسمياً، بالإضافة الى الاتفاق على ألا يُطلق اسم على شارع أو حي أو معلم، إلا إذا كان صاحبه رحل عن الدنيا!!
* لا شك أن إطلاق أسماء وأرقام على الشوارع والأحياء أمر ضروري جداً، ليس فقط لتخليد ذكرى أو تكريم من ستطلق أسماؤهم على الشوارع والأحياء، كما ظللنا نتعامل مع هذا الموضوع الخطير، ولكن للتمييز والتعريف بغرض الاستخدامات المختلفة مثل البريد والمواصلات وغيرهما، فلا يعقل أن تظل غالبية الأحياء والشوارع والمنازل في الخرطوم وكل المدن الكبرى بلا أسماء أو أرقام، فيصعب معرفتها والوصول اليها أو توصيل الخدمة اليها، بريداً كان أو شئ آخر، إلا عن طريق التوصيف الغبي الذي نستخدمه الآن، والغريب أن نظام ترقيم وتسمية الأحياء والشوارع كان معمولاً به في الماضي إلا أنه اندثر وغاب تماماً منذ عشرات السنوات ولم يعد له وجود فعلي إلا في الدفاتر الرسمية لمصلحة الأراضي حسب الأرقام التي تعطى للقطع عند توزيعها على المواطنين، ولا تترجم إلى واقع فعلي يراه ويتعامل معه الناس، ولا أدري هل سبب ذلك ثقافتنا البدوية الشفاهية، أم خلل في النظام الإداري للدولة والسلطات المحلية التي تدخل مثل هذه الأشياء في صميم عملها!!
رغم النهضة العمرانية الكبيرة التي شهدتها الخرطوم في السنوات الخمسين الأخيرة، إلا أنها ظلت مدينة مجهولة الهوية، أشبه بقرية كبيرة، لا يدري ساكنها المولود بها كيف يصل الى منزل في أحد أحيائها إلا بالوصف، فما بالك بالأجنبي الذي يأتيها عابراً أو للإقامة بها، خاصة أن الشوارع حتى الرئيسية، لا تحمل أي نوع من الإرشادات، لا عن الأماكن ولا المسافات، فهي مجرد أسفلت ردئ النوعية، وبعض الإرشادات المبهمة التي لا توضح شيئاً، وإشارات المرور التي تم تركيب معظمها بطريقة خاطئة (مقلوبة)، كأن من فعل ذلك لا علاقة له بعلم الهندسة المرورية، بالإضافة الى انعدام الإرشادات المرورية نفسها سواء التي تحملها اللافتات أو المرسومة على الأرض، مما يجعل القيادة، خاصة لغير المعتادين على الشارع، ضرباً من المجازفة أو الجنون !!
* تقول اللجنة إنها لن تفصح عن الأسماء إلا بعد اعلانها بشكل رسمي، وهو أمر محير وغريب، ولكنه على كل حال يتناغم مع المنهج السائد في البلد في إخفاء كل شئ عن المواطنين، واتخاذ القرارات بطريقة فوقية تسلطية وإملائها على الناس، حتى في مثل هذا العمل الجماهيري الذي يجب أن يكون للمواطنين رأي فيه، بل أن يكون رأيهم هو الغالب وليس ما تخرج به اللجنة، وأن يُفتح الباب للناس في محلياتهم وأحيائهم بتقديم المقترحات، لأنهم أدرى بمن يستحق أن يطلق اسمه على الحي أو على شارع عابر للحي، فاللجنة لا تعرف كل الناس وإسهاماتهم، وكثيرون لهم إسهامات بارزة ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا من المشهورين لتختارهم اللجنة!!
* كما أن الشرط بإطلاق أسماء الموتى فقط على الشوارع وبقية المعالم لهو أمر غريب جداً، فما الذي يمنع إطلاق اسم شخص حي كان له إسهام فريد في خدمة وطنه أو مدينته أو الحي الذي يقيم به على شارع أو حي، هل هو عقاب له على حياته، أم جحود ونكران لما قام به وحرمانه من الإحساس بتقدير الناس له قبل أن يتوفاه الله، وما فائدة تكريم الشخص بعد وفاته وفي نفسه ما فيها من إحساس مؤلم بجحود ونكران الآخرين، وإلى متى نظل أسرى لهذا الفهم الغبي لقيمة التكريم؟!