جعفر عباس

اللغة تتعرض للبهدلة


من بين كل عشر سيارات في شوارع دول الخليج، تجد على زجاج على الأقل اثنتين منهما عبارة «لا تنسى ذكر الله»، وكنت لحين من الزمان إذا وجدت شخصا أعرفه، وعلى سيارته تلك العبارة، بحيث تأتي «تنسى»، بألف مقصورة، أقول له إن «لا» في تلك العبارة حرف جزم، وبالتالي ينبغي لحرف العلة في آخر الفعل الذي يدخل عليه، أن يحترم نفسه ويتوارى، فتكون العبارة السليمة هي «لا تنس ذكر الله»، ولكن صديقا لي أفحمني بقوه إن الحروف لا تصاب بالعلل.
عندما كنت أعمل في صحيفة الاتحاد الإماراتية، كان معنا مصحح لبناني لسانه متبرئ منه، يصيح بين الحين والآخر: الله يلعن أبو…. ثم يسكت، ويكمل الجملة «أبو اليوم يللي اخترت فيه ها الشغلة»، ويصمت لدقائق ثم يرتفع صوته: يا فلان يخرب بيتك، ولأنه كان يذكر اسم كل محرر يخلخل معمار اللغة، فقد كنا حريصين على تفادي تعريض بيوتنا للخراب، بأن نتبادل النصوص لتقصي صحة جُمَلِها ومفرداتها إملائيا ونحويا، قبل أن تقع في يدي صاحبنا.
ومعظم الصحف تمارس التقشف في وظائف التصحيح، وتكتفي بمصحح واحد لكل نوبة عمل، ويا ويل المصحح الذي يعمل في النوبة المسائية، لأنه يكون مسؤولا عن الصفحة الأولى، التي تكون مخصصة عادة للأخبار والعناوين المهمة.
المهم أن د. عبدالسلام البسيوني ألف كتابا عن الأخطاء اللغوية الشائعة في الصحف، فتكتشف أن بعضها نجم عن سهو المصحح، أو عدم وجود مصحح، فبعد هزيمة 1967م حدث أن قام طلاب الإسكندرية بإضراب شامل احتجاجًا على الأوضاع. وبعد حالات توسط من الرئاسة تم إنهاء الإضراب، وفي صباح اليوم التالي نزل عنوان صحفي في صحيفة الأخبار المصرية كالتالي: كلاب الإسكندرية ينهون إضرابهم، ولم تكن الصحيفة بأي حال تهدف إلى الإساءة إلى الطلاب، ولكن نشأت أزمة بسبب هذا الخطأ، وعاد الطلاب إلى إضرابهم، وثارت رئاسة الجمهورية على هذه الصحيفة التي أصبحت مكروهة من الطرفين!
شغلت الدكتورة حكمت أبو زيد منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية في مصر، في عهد جمال عبدالناصر، وذات يوم، قامت بجولة في منطقة كفر الشيخ، فنشرت صحيفة تقريرا مطولا عن تلك الجولة، عنوانه «حكمت أبو زيد تتبول في كفر الشيخ»، ولك أن تتخيل ما فعله صلاح نصر وجماعته في المخابرات المصرية، بالموظف البسيط الذي كان مكلفا بطباعة الخبر ثم بالمصحح لأنه لم يكن مصحصحا بالدرجة المطلوبة
ويتحمل من قام بالصف (الطباعة)، ومن بعده المصحح ثم مدير أو رئيس التحرير، تبعة خطأ كالذي وقعت فيه الأهرام المصرية عندما أرادت حث المسؤولين على تجديد شباب القضاء، ونزل العنوان كالتالي: الأهرام يطالب بتجريد ثياب القضاة!
وكل من عمل بالصحافة يعرف أن مثل هذه الأخطاء ترد كثيرا، ليس بالضرورة نتيجة غفلة، بل لأنّ الإنسان كثيرا ما يقرأ كلاما على النحو الصحيح، رغم أنه قد يحوي خطأً صارخا، فالعين البشرية كثيرا ما تفشل في تحديد مواطن الخلل في الكلمة أو الصورة، بسبب ما يعرف بالخدعة البصرية، فلو قلت لمجموعة من الناس اقرؤوا «الله أكبر ولله ولله الحمد»، لن ينتبه معظمهم إلى أن «لله» مكررة، ومن ثم يفوت على القائمين على أمور التحرير والتصحيح الصحفي، رصد أخطاء الطباعة والصف، لأنهم يصححون الخطأ ذهنيا ولا ينتبهون إلى الخطأ الماثل أمام أعينهم.
ومن ثم تحدث أخطاء فاضحة ومضحكة: وزير الـ… يختفي بالوزيرة الزائرة، بينما المقصود «يحتفي»! وانقلاب عسكري في مدينة…! بينما متن وفحوى الخبر أن (عسكري) المرور في إحدى المدن انقلبت به الدراجة النارية!
وأم الكوارث: عورة وزير الأوقاف والشؤون الدينية! والمقصود: عودة وزير الأوقاف (عاد ماجت إلا في وزير الأوقاف؟).