يوسف عبد المنان

تعمير جبل


منذ أن بسطت القوات المسلحة سيطرتها على (جبل مرة) وأسقطت قوات “عبد الواحد محمد نور” من قمة الجبل، تقاعست الأجهزة التنفيذية والسياسية عن دورها وواجبها وما تمليه عليها المسؤوليات في زيارة المنطقة وتقدير احتياجاتها وإعادة تعميرها.. وتبديل حياة التمرد وشظفه إلى حياة أفضل.. ولن نطالب الوزراء ووزراء الدولة بما كان يقوم به الشهيد “إبراهيم شمس الدين” في ميادين المعركة من إسناد للقوات المقاتلة.. والهبوط بالطائرة المروحية في مقدمة متحركات القوات المسلحة، لأن “إبراهيم شمس الدين” كان عملة نادرة (انقرضت) الآن في سوق الإنقاذ، وطبعة أخيرة من كتاب نادر احترق في طائرة (الانتنوف) ببلدة “الناصر”.. وحتى رفقاء درب الشهيد “شمس الدين” تفرقت بهم سبل الحياة، تم إبعاد “أحمد هارون” بتقديرات خاطئة من “جنوب كردفان” إلى شمالها.. وأصبح الفريق “سيد أحمد حمد” والفريق “حاج أحمد الجيلي” يتابعون الأخبار فقط من شاشة التلفزة.. وحتى اللواء “بندر أبو البلولة” حملته الضغائن والمظالم.. وسوء التقدير لأحضان التمرد.. واليوم تدك القوات المسلحة حصون التمرد في (جبل مرة).. وحاكم الولاية بأمر الله “الشرتاي جعفر عبد الحكم” ينتظر صناديق الاستفتاء الإداري ليحتفل بنتيجة معروفة مسبقاً بدلاً من الاحتفال مع القوات المنتصرة في (سرنوق) والقيادة السياسية هنا في الخرطوم من وزراء ووزراء دولة، وحتى نواب برلمان في رحلات خارجية.. ولا يغيرون أقدامهم حيث الوغى.. والماء الساخن والنار المشتعلة.. وإذا وجدنا العذر لتثاقل الأقدام فماذا قدمت الوزارات الخدمية للمناطق المحررة.. هل انفق ديوان الزكاة على قافلة لجبل مرة؟؟ وهل المنظمات الوطنية التي تحج سنوياً إلى “جنيف” وتعتمر في “ماليزيا”.. وتصلي في مسجد (سيدة سنهوري) سيرت قافلة دعم وإسناد للمناطق التي تم تحريرها؟.. لو فعلت المنظمات ذلك لما وصل عدد النازحين من (جبل مرة) إلى طويلة لنمو (90) ألف نازح، ولما صرح برنامج الغذاء العالمي لوسائل الإعلام بأن هناك (400) ألف سوداني يحتاجون لمساعدات غذائية مما أغضب الرئيس “البشير” في “نيالا” ولم يغضب وزير المالية أو وزير الزراعة؟؟ وتقاعس الأجهزة الرسمية الحكومية من ولائية لا تملك شيئاً، ولكنها تملك الخطاب السياسي والدعم المعنوي إلى أجهزة حكومية اتحادية بيدها المال والذرة والدواء والكساء.. وتشييد الطرق.. وإعادة تعمير كل المناطق التي تم تحريرها حتى لا تعود لأحضان التمرد من جديد.. لأن هزيمة التمرد الحقيقية في إقناع المواطنين الذين يعيش عليهم التمرد بأن الأوضاع تحت سيطرة الحكومة أفضل من الأوضاع تحت قبضة التمرد.. وأن المواطن هنا ينعم بالخدمات الصحية والتعليمية، وهناك يشقى بالمرض والجهل.. ولكن متى تنهض الحكومة بمسؤولياتها وتكفكف دمعة المحرومين من الخدمات وترطب كبد المجروحين من التمرد؟؟
إذا كانت الأوضاع في (جبل مرة) تحتاج لإسناد سياسي وتنفيذي وتنموي من أجل تمدين الحياة وبسط سلطان الدولة ونقل الضباط الإداريين والأطباء والموظفين ومراكز الشرطة إلى كل المناطق المحررة، فإن الأوضاع في (جبال النوبة) و(النيل الأزرق) أيضاً تشهد حالة من السيولة والفشل التنفيذي بعد النجاحات العسكرية التي تحققت.. فالقوات المسلحة وقوات الدعم السريع غير مسؤولة عن تقديم الخدمات الصحية والتعليمية في المناطق المحررة، ولكن المسؤولين اليوم أصبحوا مشغولين بوظائفهم ونثرياتهم والولاء بإرضاء المركز الذي يعينهم وتجميل الأوضاع البائسة.. والمعتمدون يجتهدون في إرضاء الوالي حتى لا يبعدهم عن مواقعهم.. وفي ظل المركزية الحالية أصبح إرضاء المواطنين وتقديم الخدمات لهم مسؤوليات ثانوية، فالولاة على قناعة بأن بقاءهم في مقاعدهم رهين برضاء المسؤولين في المركز منهم.. وأن المجالس التشريعية وحتى المجلس الوطني الكبير لن يتجاوز حدوده ودوره كأداة تجميلية فقط تزين وجه الحكومة، ولو كان الأمر غير ذلك لسألت هذه المؤسسات عن مصير تعمير الأرض التي حررت من قبضة التمرد!!