القمة الأفريقية الثانية والعشرون (5)
في القمة ليس من عادتي دخول القاعة الضخمة وأفضل البقاء في “البهو الفسيح” حيث تتدفق التسريبات وتولد المؤامرات وتترعرع … وادخل القاعة عندما يكون هنالك جدل حقيقي و الحمد لله لست مجبورا على “صلاة خادم الفكي” مثل المسئولين والديبلوماسيين المكلفين بحضور كل شيء حتى ولو كان هنالك سبعة متحدثين يقرأون سبع خطب إفتتاحية مدونة وموزعة على كل الوفود قبل القمة بخمسة أيام. وفي البهو الفسيح أو اللوبي (ومن هذه المفردة أخذت مجموعات الضغط هذا المصطلح لأنها تعشعش فيه وتسيطر على الاجتماعات الرسمية من اللوبي) … وفي هذه القمة بالتحديد حدثت لي أزمة … وتتلخص في أن القاعة فيها جدل حقيقي وعميق للغاية … جدل أفريقي يؤكد لك أن في هذه القارة عقول جبارة ومخيفة … ويدور الجدل حول تحركات السيدة زوما لتشكيل قوة تدخل سريع لإنقاذ دولة الجنوب من الإنزلاق في حرب أهلية وإصرار ممثل نيجريا على أن زوما تجاوزت اللواءات الأفريقية التي يتم إعدادها لذات الغرض حيث يوجد لواء في كل إقليم ولديه قيادة عسكرية وميزانية محترمة ونظام أساسي وقد بذلت القارة جهدا كبيرا في تشكيله … كما يجب على زوما أن تقود مقترحها (إن كان سائغا) في مستوى الممثلين الدائمين ثم وزراء الخارجية ثم الرؤساء ولكن لا يمكن أن يختبيء بند مثل هذا ثمانية أيام من أعمال القمة ليظهر في آخر يومين وبعض الرؤساء يتأهبون للذهاب للمطار … زوما لديها حججها ومعها كتلة جنوب أفريقيا وبعض من شرق أفريقيا … وانقسمت القارة وتفتقت القاعة بالجدل القوي وكان جدلا قانونيا دستوريا عسكريا إجرائيا واستمر لمدة ساعتين ولكن لسوء حظي كانت لدي مقابلات تلفزيونية مهمة … ولحسن حظي أيضا أن أحد أصدقائي من بوركينا فاسو كان حاضرا … وجاءني بفيديو جميل وهو لا يتكلم اللغة الإنجليزية وأنا لا اتكلم الفرنسية ولم يستخدم السماعة في القاعة ظنا منه أنني سأترجم له … لقد أعتقد أن ما أقوم به من “لجيغ” في الونسة معه إجادة للفرنسية … وفي الحقيقة كل ما تكون عندي من لغة فرنسية سببه كتاب عن الكلمات المشتركة بين اللغتين وطرق النطق المختلفة بإستخدام “رموز أكسفورد” اشتريته من الفراشين جوار كمبوني في السوق العربي بـ 70 جنيه … وفي ساعات الفراغ أو السفر أو الترانزيت المملة أخرجه وأقضم منه قضمة حتى أتيت عليه (من الجلدة إلى الجلدة كما يقول ابن القيم رحمه الله) في قرابة السنة والحمد لله … وكل ما خرجت به هو كيف يلتوي اللسان وتتمطط الشفتان بالفرنسية عندما ينطق المتحدث ذات الكلمة بذات الهجاء في اللغة الإنجليزية. ومع هذا الكتاب أتذكر دائما مسرحيات وهزليات عادل إمام وأحمد حلمي في تقليد الكلام الفرنسي … المهم أننا جلسنا لمدة ساعة نحتسي القهوة بالحليب في المقهي الخارجي في برد اديس اببا وهوائها المنعش و”نلجغ” … يعرض القطعة الإنجليزية فأسمعها و”الجغ” بالفرنسية … ثم يعرض القطعة الفرنسية و”يلجغ” هو بالإنجليزية … ومن يرانا ربما يقسم أننا تخرجنا من “السوربون” و “هارفارد” وأنا خريج “النيلين” وهو “أوغادوغو” … فعلا المظاهر خداعة … ولكنني واثق أنني هذا “اللجيغ” والكتاب أبو 70 جنيها مع الجهد والتركيز والممارسة أفضل من ثلاثة كورسات في اللغة الفرنسية ومعها شهادة “قدر الضربة”!
[/JUSTIFY]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني