الطاهر ساتي
وللنيل الأبيض … حكايات ..!!
والباطل هو أن يستخدم أحدهم تلك الكلمة سلما يتسلق بها إلي حيث السلطة ومناصبها ، وما أن يصل إلي سدة هذه وتلك يضرب بالتهميش والمهمشين أرض الحائط ، ثم يغرق حتى آذنيه فى بحر المزايا والامتيازات ، وينسى أو يتناسى زمان الابتزاز والمزايدات باسم التهميش والمهمشين ، رعاهم الله ..!!
** ومن العجب أن كلمة التهميش بمثابة قميص عثمان مفصل على مقاس بعض مناطق البلد ، ورغم أن كل البلد بحاجة إلي ذاك القميص إلا أن ملوك التهميش يريدون أن تحتكر بعض المناطق إرتداءه ، وأن يحتكر هذا البعض إرتداء قميص التهميش يعد نوعا من الاحتكار الضار .. إذ ان أقاليم البلد سواسية فى المقاس ، ويجب أن يسعهم قميص عثمان هذا لحين أن يصلح الله الحال العام ..!!
** النيل الأبيض ، على سبيل المثال لا الحصر ، من ولايات البلد التى تعد قاب قوسين أو أدنى من سنتر الخرطوم ، حيث المركز ينوم والطيارة تقوم ، وكذلك المتهم بتهميش القوم .. ومع ذلك ، أى رغم جوارها لجاه الملوك ، ولاية النيل الأبيض تعد عند ذوى الأبصار والبصائر من ولايات البلد المهمشة ، بل المهمشة جدا ، ولاتنقصها غير الغابة والأدغال لتحيك قميصا كذاك الذي يرتديه البعض ليصل به إلي شارع القصر ..ولو كانت بالنيل الأبيض تلك المخابئ ، الغابة والأدغال ، لكان مساعد رئيس الجمهورية اليوم ناظرا من الهبانية أو محاربا من الحسانية ، ولكن الله قدر ولطف وتجردت من تلك المخابئ ، كما تجردت أرض المحس شمالا ، وهذه أيضا على سبيل المثال لا الحصر .. !!
** هناك ، فى النيل الأبيض ، قرى لاتبعد كثيرا عن خزان جبل أولياء ، اسمها قرى أبوقوتة ، إنسانها وأنعامها يشربون الماء من آبار، حفرالفريق عبود بعضها ثم حفر المشير نميرى البعض الآخر ، آبار ، يصطف الرجال والنساء والأطفال حولها فجرا ، ويتبادلون جر حبال الدلو وملئ براميل تجرها الحمير وتجوب بها البيوتات .. وأسلاك كهرباء الضغط العالى تمر بفضاءاتهم لتنير الخرطوم بيد أن الظلام هناك يدثر قراهم ويزمل حياتهم ، والفضل لله الذي يمدهم بضوء القمر والنجوم بلا وسيط ..والمرأة حين تتمخض هناك ، أهلها يسألون الله الصبر وتأخير الطلق لحين الوصول بها وبمخاضها إلى مستشفى القطينة ، وما بين هذا المستشفى وتلك القرى مسافة فيها من وعثاء السفر وكآبة المنظر ما لايخطر على قلب بشر ، وفى الخريف يصبح الدخول إلى تلك القرى والخروج منها مغامرة تلزم صاحب المركبة أن يصطحب معه بلدوزرا بسائقه .. علما بأن تلك القرى لا يفصلها عن طريق كوستى الخرطوم إلا مسافة كم طن أسمنت وكم لورى حصى و..«بعض الارادة » ..!!
** وهناك ، فى النيل الأبيض أيضا ، تندلتي و كهرباء تندلتي ..فالغاية من الكهرباء هى أن تستمتع حياتك بخدماتها ، ولكن كهرباء تندلتى تختلف عن تلك ، بحيث تعذب حياة الأهل هناك منذ افتتاحها ..والتعذيب بدأ بتهرب الهيئة القومية عن مسؤولية الادارة ، لتستلم الأمر حكومة الولاية ووزارة ماليتها ، ثم تحيل هذه المحطة الخدمية إلي أكبر نافذة للجبايات وتحقيق الربط المقدر ..لك أن تتخيل ، عزيزي القارئ ، أن بيتا يدفع صاحبه مبلغا قدره مائة وستة و سبعين جنيه شهريا لفاتورة الكهرباء ، هو أسعد بيوت تندلتى وأقلها دفعا .. حتى ولو كان صاحب البيت لا يملك من الأجهزة المستهلكة للكهرباء غير جهاز موبايل ، فانه ملزم شهريا بدفع « 167 جنيها » .. توزيع تلك الأرقام على الفاتورة كالآتي : « 105 جنيهات ، رسوم عداد ..والبقية استهلاك » .. المدهش فى الأمر أن بيوت تندلتى التى تدفع رسوم العداد خالية من العداد ..ولعدم وجود العداد ، رغم وجود رسومه ، قطعت عبقرية الحكومة هناك أرقاما من رأسها وأسمتها بقيمة الاستهلاك ، كالآتي : « 71 جنيها .. 90 جنيها .. 115 جنيها » .. وأنت وحظك في الفاتورة ..سعيد الحظ الذى أشرنا إليه يدفع « 71 قيمة استهلاك و 105 رسوم عداد » .. وتعيس الحظ يدفع « 115 قيمة استهلاك و 105 رسوم عداد » ..ورغم أن قيمة الاستهلاك ظنية ، يدفع المواطن رسوم عداد لا يعد استهلاكك ولا يحسب قيمته ليقطع الظن باليقين .. أي ، ما في عداد وتدفع رسوم العداد .. لماذا ..؟.. كدة بس ، لو عجبك ..!!
** وعندما يستنجد الأهل هناك بالهيئة القومية لتنقذهم من براثن حكومة الولاية باستلام تلك المحطة ، تتلكأ الهيئة القومية فى الرد وتتجاهل النداء ثم تبرر بأن المحطة بها معوقات هندسية تحول دون دخولها إلي الشبكة القومية ، ويجب إصلاح تلك المعوقات حتى نستلم ثم ندخلها فى الشبكة القومية .. ولكن من الذي يجب عليه إصلاح تلك المعوقات الهندسية يا مولاي ..؟.. الهيئة القومية أم حكومة الولاية أم هذا المكتوي بالفواتير الظنية ..؟.. هكذا يسأل الأهل هناك منذ كذا سنة ، ولكن : لا إجابة .. وعدم الاجابة يحول الخدمة شهريا إلى وسيلة ابتزاز ولائي غايتها الجباية بقيمة استهلاك تقديرية ورسوم عداد .. تأمل ، صديقي القارئ ، حال المواطن حين يصبح بعيدا عن الرقابة المركزية وكذلك بعيدا عن عيون الصحف ثم قريبا من حكومة ولائية جبائية ..هكذا التهميش ، ولكن البعض يظن جهلا أو تجاهلا بأن هذا القميص لا يصلح ثوبا فى جسد إنسان النيل الأبيض ..هذا الجسد الصابر …!!
إليكم – الصحافة الاثنين 02/03/2009 .العدد 5631 [/ALIGN]