يوسف عبد المنان

تعثر الإصلاح


هل فشلت جهود الدولة في إصلاح نفسها؟؟.. أم تعثرت خطى الإصلاح؟؟.. وما هي أسباب التعثر أو الفشل؟؟.. تختلف التفسيرات والتبريرات ما بين من يده على الجمر من صناع القرار، ومن يكتب من رصيف المراقبة والمتابعة؟؟ وهناك من (التبريريين) الذين لا ينظرون للأخطاء بقدر النظر لمصالحهم ووظائفهم، وهؤلاء يرسمون صورة وردية لواقع يراه البعض قاتماً.. أو شديد القتامة.. وهناك من يعتقد أن الإصلاح قد تحقق فعلياً مجرد تعيينه في منصب حكومي يجني من ورائه الذهب والدولار.. في سنوات الإنقاذ الأولى.. خرجنا مع الصديق الحلفاوي الساخر “زكريا حامد” من البرلمان نحو ألوان الخير والجمال.. وعند المحطة الوسطى التقينا بأحد أقربائي جنرال متقاعد أرغمته ظروف المعيشة ليعمل سائق تاكسي مثل “عبد القادر عباس” صاحب الثرثرة على بلاط صاحبة الجلالة، كان قريبي ناقماً.. ناقداً للأوضاع قارئاً بطريقته الخاصة لمآلات ما هو قادم.. توقع الجنرال المتقاعد سقوطاً قريباً جداً للنظام وإن قادته وصحفه سيذهبون للسجون، ومقاصل الإعدام.. لم يمر أسبوعان إلا وعيِّن ذلك الجنرال محافظاً في بلدة قصية.. واستبدل التاكسي الهنتر بلاندكروزر (ليلى علوي) أيام تلك الفاتنة.. لم ينسَ الرجل العشرة وصلات الرحم فطاف علينا في صحيفة ألوان التي كانت ملاذاً للحكام وبيتاً للسلطة هي تخطب ود “حسين خوجلي”.. جاء المحافظ ليحدثنا عن الإنقاذ وقدرتها على مواجهة الصعاب وقهر أمريكا.. وسحق التمرد، ولعن المعارضة.. وتلك هي حالة السودانيين من يخرج اليوم من السلطة (يلعنها) ولا يرى في الوجود شيئاً جميلاً، ومن يغادر المعارضة إلى الحكم يبصق على تاريخه القريب.. لذلك مسألة إصلاح الدولة مختلف عليها إلّا عند النائب الأول الفريق “بكري حسن صالح” الذي أسند إليه ملف الإصلاح وسعى في بدايات العام الجاري لحشد إرادة الإصلاح وعقد لقاءات بمجلس الوزراء.. ولكن لماذا تعثرت جهود الإصلاح في الدولة؟؟
هناك مقاومة من بعض مراكز القوى التي يجب أن يطالها الإصلاح؟؟ ولم يجد الجنرال “بكري” من يساعده في إنفاذ مهمة صعبة وشاقة تتطلب إرادة تغيير حقيقية ونفوذاً يؤهلها للقيام بالمهمة.. وبشأن مراكز القوى التي تقاوم الإصلاح فإنها تستميت في الدفاع عن ديمومة الحال الراهن.. وخاصة في الولايات، حيث فشل معظم الولاة الذين اختارتهم “الخرطوم” من أجل الإصلاح في تغيير الواقع البائس وانصرف بعض الولاة لتدابير شؤون الحكم اليومية، وأثبتت الأيام أن بعض الذين تقع على عاتقهم مسؤولية متابعة برنامج إصلاح الدولة، هم أنفسهم في حاجة لإصلاح، ونعني بالطاقم الذي يقود وزارة شؤون مجلس الوزراء التي يقع على عاتقها تنفيذ توجيهات النائب الأول، فوزير شغلته صراعات حزبه ، وينظر كبار الموظفين في الدولة والحكومة العميقة لعامة الوزراء القادمين من نوافذ الأحزاب الصديقة على أنهم منقوصو الإرادة.. ولا ينفذ لهم توجيه ولا تؤخذ قراراتهم مأخذ الجدية.. وآخر ، معين- أيضاً، على حصة حركة دارفورية ، لم تتجاوز انشغالاته قضايا دارفور وصراعات حزبه الداخلية.. وثالث في الوزارة المعنية بالإصلاح ،هو (كادر) طلابي وحزبي يفتقر إلى التجربة في جهاز الدولة والحكومة وقد لا تتعدى خبرته مفاصل التنظيم وسرية أجهزته، بينما الوزارة تحتاج لرؤية إدارية من شخصية لها خبرة ونفوذ، مثل “عوض الجاز”، أو “كمال عبد اللطيف” أو د.”عبد الله أحمد عبد الله” و”بهاء الدين محمد إدريس”.. والحال كذلك يبدو برنامج إصلاح الدولة في حاجة لإنعاش عاجل حتى لا يصبح مثل برنامج (تنوير الخدمة المدنية) الذي مات قبل ميلاده.