الطاهر ساتي

البيع بالتقسيط ..!!


:: منذ أسابيع، وحتى يومنا هذا، يهاجم نواب البرلمان وزير المالية بتطرف .. ويومياً، يتحدثون في الصحف عن الوضع الإقتصادي و إرتفاع سعر الدولار وغلاء الأسواق و أحوال الناس، ثم يهاجمون وزير المالية .. ومثل هذا الهجوم البرلماني – المفاجئ والكثيف – هو ما يسمى ب ( حنك النمل الما بيعضي)، أو كما يصف الشباب الثرثرة و الكلام غير الجاد .. فالصحف تعلم، وكذلك النواب، بأن هذا الهجوم – و إن كان صائباً – لا يمت بأية صلة إلى حياة الناس ومعاناة المواطن.. أي هجوم حق مراد به باطل ..!!
:: حالهم مع وزير المالية كما الإعرابي الذي إقتحم مجلس معن بن زائدة – وكان أميراً على العراق – مهاجماً : (أتذكر إذ لحافك جلد شاة، وإذ نعلاك من جلد البعير؟)، فأكد معن تذكره، ليواصل الذم : ( فسبحان الذي أعطاك ملكاً، وعلمك الجلوس على السرير).. ولم يغضب معن، بل قال بمنتهى الخشوع ( سبحان الله) ، ليواصل الإعرابي الهجاء : ( فلست مسلًماً إن عشن دهراً، على معن بتسليم الأمير)..ولم يكترث الأمير لسحب اللقب، ليواصل الإعرابي التحقير : ( سأرحل عن بلاد أنت فيها، ولو جار الزمان على الفقير)، فبارك معن خياره بلامبالاة، ليطلب بوقاحة : ( فجد لي يا إبن ناقصة بشئ، فإني قد عزمت على المسير)..ويكرمه معن بالف دينار، ليطلب المزيد بلا حياء : ( قليل ما أتيت به و إني لأطمع منك بالمال الوفير).. ويضاعفها معن، ليختم الإعرابي مادحاً : ( سألت الله أن يُبقيك دهراً، فما لك في البرية من نظير) ..!!
:: هي سبعة أبيات شعرية فقط لاغير، قالها الإعرابي خلال دقائق معدودة، وبدأها بالهجوم المفاجئ ثم الذم والسب والهجاء والتحقير، وختمها بالتسول ثم بالمدح لحد التزلف ( فما لك في البرية من نظير).. ولا فرق بين هذا الإعرابي ونواب البرلمان غير أنه (أذكى منهم)، بحيث قدم الهجوم على الطلب.. وكان على نواب البرلمان تقديم مطالبهم – لوزير المالية – على هذا الهجوم الراهن، لكي ينالوا المطالب ..أصل القصة يا أحباب، قبل أشهر، وفي إطار تمرير المسمى بقرار رفع الدعم عن الوقود والغاز، وعد وزير المالية نواب البرلمان بتقسيط جمارك سيارتهم لفترة ( 4 سنوات)، فلم يجتمعوا ويسحبوا عنه الثقة إحتجاجاً على قرار ( رفع الدعم ).. لقد مر القرار، أي باعوا معاناة الناس بالتقسيط المريح جدا ( 4 سنوات ) ..!!
:: وبعد تنفيذهم لإتفاقية (الصمت مقابل التقسيط)، أوفت وزارة المالية بوعدها وسلمتهم (تصاديق التقسيط )..ولم يستوردوا بتصاديق التقسيط سياراتهم ليتفقدوا بها أحوال رعيتهم أو كما قالوا عند الطلب ، بل باعوا التصاديق لتجار العربات بمبالغ زهيدة ( 25/ 30 الف جنيه)، فغضب وزير المالية وأوقف التصاديق ..وبإيقاف التصاديق، ركب النواب الذي باعوا والتجار الذين إشتروا ( الماسورة)..عليهم إعادة المبالغ للتجار، أو صرفوها و على التجار أن ( يقنعوا منها)..وهذا ما يُغضب النواب لحد الصخب اليومي في الصحف باسم ( المواطن).. لقد أحسن وزير المالية عملاً بإلغاء تصاديق التقسيط ، فلولا هذا الإلغاء لما تحدث النواب – بكثافة وتركيز – عن الغلاء و إرتفاع الدولار و معاناة الناس .. ولو تراجع الوزير اليوم عن قرار ايقاف التصاديق، سوف يتحول النواب كما الإعرابي ( 180 درجة)، وينشدوا مدحا لحد التملق : ( فما لك – يا وزيرنا – في البرية من نظير ).. !!