منى ابوزيد

في الطريق .!

“الرجال والشعوب يتصرفون بحكمة بعد أن يستنفذوا جميع الخيارات الأخرى” .. أبا أيبان ..!
(1)
الكاتب البريطاني جورج أورويل قال في كتاب خصصه لحياة الفقر والتشرد التي عاشها في باريس ولندن: “ كنت أغسل الصحون في أقبية المطاعم، وأرصد سلوك زملائي في العمل، فلاحظت أنهم يعاملون بعضهم بعدائية وشراسة، والسبب ليس فقرهم وبؤس حياتهم، بل شعورهم باليأس وفقدانهم الأمل في التغيير! .. الضرب في المدارس هو آخر فصول حكايات اليأس، وفقدان الأمل، والإجهاد النفسي والاستنزاف الانفعالي الذي تسببه مشكلات الأسرة وصراعات الإدارة، وضعف العائد، وقلة الحيلة، والشعور بالحصار والرق الوظيفي، ومعاناة قلة التقدير التي يعاني منها بعض المعلمين .. والتي تتحول بمرور الوقت إلى شحنات سالبة لا يمكن تفريغها إلا بتضخيم الأخطاء ومضاعفة العقاب ..!
(2)
انتشار ظاهرة العطارات الإسلامية تعطي التداوي بالأعشاب، بعداً دينياً – من خلال إساءة استخدام مبدأ الرقية الشرعية في بعض الأحيان- وهذا يعقد الأمر كثيرا على حملات تطبيق القوانين التي تهدف إلى معاقبة المخالفين من غير المختصين! .. الحل العملي لهذه الظاهرة ليس في منع تداول وصفات الأعشاب مطلقاً، بل في نقل عملية بيع الأعشاب من الشرعية الشعبية إلى الشرعية القانونية، من خلال تكوين لجنة في وزارة الصحة تختص بتسجيل الأعشاب الطبية المغلفة وفقاً لشروط السلامة الصحية والمرفقة بتعليمات وشروط ومحاذير تعاطي ـ تماماً مثل تسجيل الأدوية الصيدلانية ذات الماركات المسجلة، وما عدا ذلك من الوصفات العشوائية يدخل في قائمة المخالف للقانون! .. التعليم العالي له دور غائب يتمثل في الاستفادة من تجربة مدارس وكليات (الطب البديل) – التي انتشرت في معظم دول العالم – بشهادات أكاديمية معتمدة، تمنح حامليها حرف الدال، الذي هو فصل المقال ..!
(3)
حينما خرج الرئيس الأمريكي أوباما يوماً لتناول شطيرة هامبورجر في مطعم شعبي، انشغلت صحف العالم بدلالة الحدث وتداعياته، بينما انشغل الإعلام العربي بوقوف فخامة الرئيس الأمريكي – بنفسه – في طابور هامبورجر! .. احترام الطوابير دلالة تحضر دامغة، والعلاقة بين دقة وانتظام الطابور وتطور المجتمعات طردية، لكن كيف نطالب بسيادة حكم الطابور إن كان الذي يخرق النظام – في مجتمعنا- هو المسئول نفسه!.. إذا أردنا تشيع فينا ثقافة احترام الطوابير، علينا أن نبدأ بمفوضى السلطة التنفيذية! .. الحكومات – على رأي رونالد ريجان – لا تحل المشاكل بل تدعمها .. وقوف المسئولين في طوابير القوانين هو الذي يصنع حضارات الشعوب ..!
(4)
في ماليزيا – التي تملك شبكة طرق وجسور مذهلة – يُلقي المواطن/السائق، بالعملة الحديدية في حصالة التبرعات لتطوير الطرق والجسور، في صمت وقناعة ودونما احتجاج لأنه يعلم تماماً كيف تستثمر حكومته تلك الدراهم في ترقيع أثواب المدن وخياطة شبكات تواصلها العنكبوتية بمهارة واقتدار! .. المقابل هو مربط فرس الرضا، فـكيف تتحدث الدولة عن وحدة نسيج السودان وهي ما تزال غير عابئة بوسائل وصول كل مواطن إلى بيته، وغير آبهة بطرق وصولها إلى كل أطرافه وشعوبه النائية المتباعدة ؟! .. لماذا يدفع محمد أحمد فواتير الضرائب بلا مماحكة أو تهرب وهو لا يستطيع أن يضمن لنفسه خريفاً رائقاً/ جافاً من مياه الأمطار الآسنة، أو حتى موتاً لائقاً بعيداً عن “البهدلة” على قارعة الطريق ..؟!