جمال علي حسن

الشعب يريد.. إسقاط الحرب.. أولاً (1و2)

الشعب يريد.. إسقاط الحرب.. أولاً

غالباً شاهدتم حلقة برنامج (النقاش) على (فرانس 24) قبل يومين والتي استضافت عرمان ونائب رئيس البعثة الدبلوماسية السودانية في لندن عمر الأمين والزميل محمد الأسباط.. فالحلقة تأتي في مناخ سياسي عام إن لم نصفه بأنه مناخ ساخن داخل وخارج السودان فإنه يشهد حراكاً من التوترات الطلابية والتعقيدات الاقتصادية في الداخل.. لكنه بالمقابل يشهد تراجعاً في موقف الكثير من مكونات المجتمع الدولي تجاه دعم القوى المعارضة بسبب انطباعتهم الجديدة عن سلبية موقف المعارضة في التعامل مع فرص التسوية السياسية والحوار .
الحكومة مضغوطة اقتصادياً وتواجه نوعاً من التوترات الداخلية أياً كان وصفها وحجمها ومستواها لكنها في نفس الوقت كانت قد أدت أداءً سياسياً مقبولاً في نظر المجتمع الدولي بكونها وقعت دون تردد على خارطة طريق لوقف العدائيات وتحقيق السلام أعدها الاتحاد الأفريقي الوسيط، دون تدخل في محتواها من أي طرف من الطرفين ثم قدمها للطرفين فوقعت عليها الحكومة وامتنعت المعارضة عن التوقيع ..
ومن تابع هذه الحلقة الفضائية ربما يلمح توظيف نائب رئيس البعثة الدبلوماسية لموقف الحكومة الإيجابي من خارطة الطريق توظيفاً جيداً بأنها كحكومة ترغب في تحقيق السلام وتتجاوب مع الوسيط الأفريقي في هذا الصدد وبالتالي فإنها كما نقول بلغتنا السودانية (كتلت الدش) في يد المعارضة بهذا الموقف، ما لم تقدم المعارضة مبررات مقنعة عن عدم توقيعها على الاتفاق وهذا ما دعانا لمتابعة تلك الحلقة بحثاً عن ما وراء موقف القوى المعارضة .
لكن بكل الأسف لم يقدم عرمان تفسيراً مقنعاً لعدم توقيعهم على خارطة الطريق واستغرق في استدعاء اتهامات مطلقة للحكومة بأنها دمرت السودان وفعلت وفعلت ..
طيب.. هي فعلت ما فعلت.. لو قبلنا التعامل مع كل هذه الاتهامات.. فطالما أن المعارضة وقطاع الشمال يأتي الى طاولة تفاوض مع الحكومة في أديس أبابا فإن ذلك يعني ظاهراً أنهم لا يمانعون مبدءاً في التوصل مع هذه الحكومة التي (فعلت وفعلت وفعلت) إلى اتفاق يوقف الحرب، وهذا يفرض عليهم أن يتحلوا بالموضوعية الكاملة في مواقفهم من الخيارات والحلول المطروحة، وكنا كمراقبين نقدر ونتفهم لحد ما مواقف المعارضة من المبادرات والحلول التي تطرحها الحكومة وتقابلها المعارضة بالرفض والتشكيك فيها وإبداء عدم الثقة في مصداقيتها لكن لا يمكن لأحد أن يتفهم موقف المعارضة من خارطة طريق طرحها الوسيط للطرفين وتتضمن محتوى يفرض تنازلات على الطرفين معاً من أجل إيقاف الحرب.. ولذلك نقول إن عرمان لم يكن في موقف قوة على منبر النقاش والحوار في حلقة (فرانس 24)، لأنه لم يقدم تبريرات مقنعة لموقفه.. فهو مرة يقول إنهم لم يرفضوا التوقيع بل فوجئوا بورقة الخارطة يقدمها لهم أمبيكي للتوقيع ومرة أخرى يقول إنهم لم يوقعوا لأن الاتفاق سيمدد عمر النظام أو كلام بهذا المعنى ..!
نقول لعرمان كلمة أخيرة.. ما لم تتوقف الحرب وتتخلى هذه الحركات عن خيار البندقية فلن تنجح أية محاولة للثورة الشعبية السلمية التي تنتظرها لأن هناك وعيا كبيرا للشعب السوداني بخطورة إفساح مجال لهذه البندقية العنصرية المغبونة بأن تقفز ذات غفلة وتحكم البلد وهذا هو المتوقع الأكيد لو قام الشعب بإسقاط هذا النظام قبل إنهاء وجود العمل المسلح في بلادنا بالكامل .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
.
الشعب يريد.. إسقاط الحرب.. أولاً 2

هذه مواصلة لحديثنا أمس تعليقاً على بعض ما جاء في برنامج النقاش في محطة (فرانس 24) والذي شهد مواجهة بين نائب سفير السودان في لندن عمر الأمين من عبر الهاتف مع السيد ياسر عرمان والزميل محمد الأسباط داخل الأستديو.
قوى المعارضة التي تحدث عرمان بصوتها فقدت نسبة كبيرة من الدفع والدعم الدولي بعد رفض خارطة الطريق وهذا الفقدان بدا ظاهراً في أداء عرمان في هذه الحلقة بل أعتقد أن عرمان لم يكن في (مود) سياسي (مزبوط)، لمقارعة خصمه بل جاء إلى هذه المواجهة الفضائية بإحساس محبط لكنه لبى دعوة (فرانس 24) أملاً في استثمار فرصة التوترات الطلابية التي حدثت في بعض الجامعات لتعبئة الشارع ما أمكن ذلك.
لكن الضغوط الدولية التي اعترف بأنهم يتعرضون لها بسبب عدم التوقيع على خارطة الطريق انعكست كثيراً على روح الإفادات التي قدمها، فلاذ بمحفوظات المعارضة في اتهام الحكومة بالفساد وتدمير السودان، بل لاحظت أنه لم يجتهد كثيراً حتى في الرد على الاتهامات التي وجهها إليه عمر الأمين وبعضها كنت أتوقع منه نفيها خاصة حين قال له أنت ظللت لأكثر من 30 عاماً تعارض كل الحكومات وكان من الممكن أن يرد عرمان عليه – لو كان مركزاً – بأنه عاد إلى الخرطوم بعد نيفاشا قبل أن يغادرها مرة أخرى..
لكن عرمان بدا محبطاً جداً، وهذه الحالة من الإحباط وفقدان المنطق في الإقناع بالموقف الذي اتخذه عرمان وقوى الحرب تجعلنا كمراقبين نربط بينها وبين المعلومات التي أوردتها اليوم التالي يوم الجمعة بأن قوى نداء السودان أرسلت طلباً إلى ثامبو أمبيكي ترجو فيه الاجتماع به توطئة لعقد مفاوضات مع الحكومة لوقف العدائيات وأن هذا الطلب قد رفضه أمبيكي وشدد بأن آليته ليس لديها جديد سوى خارطة الطريق.
قوى الحرب والتمرد العسكري في موقف صعب الآن فهي تواجه زحفاً عليها من الجيش في ميدان القتال من جهة كما أنها تواجه خسراناً جزئياً مؤثراً في مواقف المجتمع الدولي الداعم لها من جهة أخرى، مع مواجهة ثالثة ومهمة مع الوسيط أمبيكي نفسه الذي ردت عليه خارطته فاستقبل هذا الموقف بحساسية عالية على ما يبدو من خلال رفضه طلب الاجتماع معهم قبل توقيعهم على خارطة الطريق.. خاصة وأن أمبيكي أصبح يفهم ويعرف أن مشروع وقف العدائيات المطروح من جانب هذه القوى المسلحة في أيام الصيف هذه إن لم يرتبط بخارطة تؤدي الى إيقاف شامل للحرب فإنه لن يكون أكثر من خدعة لإفساد حملات الصيف العسكرية ضدها وتضييع الوقت.
أما الجبهة الجماهيرية الداخلية أو الشارع السوداني فإن موقفه المبدئي حسب رأينا لخصناه في عنوان هذا المقال (الشعب يريد إسقاط الحرب.. أولاً).. ثم بعد أن تتوقف الحرب وبعد أن يطمئن الشارع السوداني تماماً على وجود معارضة واعية صاحبة برنامج إصلاحي لحاله وحال البلاد قد يستجيب ويتفاعل معها ويمنحها الثقة الثورية إذا هو أراد ذلك.. أو أراد ثورة.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.