كلام قد لا يعجب الجميع
لو كنت امرأة (هذه الكلمات الثلاث ستجعل 50 في المائة من القراء الذكور يستعيذون بالله ويشككون في قواي العقلية)، ولكن صبرا لأنني سأقول كلاماً سيغضب 80 في المائة من القارئات: لا أعتقد أنني كنت سأسعد بأن أكون امرأة في مجتمع عربي حيث ينظر الناس إليّ وكأن مجرد وجودي على ظهر الأرض كارثة وعار، أو في مجتمع غربي حيث صارت النساء سلعة برغم العديد من الحقوق التي انتزعنها من الرجال، وليزداد غضب تلك الشريحة من النساء مني، أقول إنه لو شاء الله – أو لا قدر الله – وكنت امرأة – بنفس طريقة تفكيري الحالية – فإنني ما كنت سأبحث عن عمل يبعدني عن البيت و«العيال»، إذا كان مستوى المعيشة اللائق مكفولا لي. نساء كثيرات يجدن سعادة في رعاية عيالهم، أكثر من سعادتهن بوظائف تدرّ عليهن مبالغ مالية إضافية، ولكن دعكم من كل هذا واسمحوا لي بتفجير «قنبلة» أخرى: لو كنت متزوجاً بامرأة غنية وتنفق على البيت دون مَنّ أو أذى لما عملت أجيرا عند أحد، لا أقصد أنني سأجلس في البيت «تنبلا» أو طرطورا ولكن أقصد سأفضل العمل لدى زوجتي، أساعدها في تدبير شؤون البيت – ما عدا غسل أواني المطبخ – وإدارة شؤون ثروتها (من دون مطالبتها بمنحي توكيلا يخول لي التصرف في ممتلكاتها كما يفعل من يسعون إلى الزواج بنساء غنيات طمعاً في ما لديهن من مال)، فمنذ أن دخلت الحياة العملية وأنا خاضع لنظم وسياسات سخيفة وضعها آخرون، وياما تعرضت للمساءلة والبهدلة لأنني «خرجت على اللوائح وخالفت نظام العمل». وأعترف بأن البقاء في البيت يوماً بعد آخر مملّ ولكن التواجد في مكان العمل سنة تلو الأخرى أكثر مجلبة للملل والمرض، وبالمناسبة فإنني لست كسولاً (وأنا سوداني) بل لا أطيق الجلوس أو الرقاد من دون أن أشغل نفسي بشيء مفيد مالياً أو نفسياً أو اجتماعياً، ولكنني بالتأكيد أفضّل البيت على مكان العمل، وقد ظللت منذ أن رزقني الله بطفل ثم ثان وثالث ورابع وأنا أحس بالذنب لأنني لم أعطهم ما يستحقونه من وقتي، وظل ذلك الإحساس يؤرقني رغم أنني لا أمضي دقيقة واحدة في مقهى أو مكان عام طلباً للترفيه، بل أقضي كل أوقات فراغي في البيت، وكنت أشرف على أداء عيالي الأكاديمي وأساعدهم على التحصيل والدراسة (في كل المواد عدا الرياضيات والفيزياء والكيمياء، فمعرفتي بهذه العلوم ليست بأفضل من معرفة راقصة شرقية بنواقض الوضوء)، وكنت ألعب مع عيالي على الأجهزة الالكترونية ويرغمني أصغر عيالي على لعب كرة القدم معه مع أن قدراتي فيها أضعف من قدراتي في الرياضيات والفيزياء.
أعرف نساء يعملن في وظائف لا يكفي عائدها حتى لتغطية نفقات المواصلات ووجبة الإفطار، يعني وظائف عديمة الجدوى، ولكن هذه الفئة من النساء تكره «الحبس في البيت» فتجد الواحدة منهن تترك عيالها مع جدتهن أو تحت اشراف دادة بينما هي طالعة ونازلة على الفاضي أحيانا ولضرورة إثبات الذات والوجود والاستقلال في أحيان أخرى، وهذا أمر أقدره حتى لو كان عائد العمل هزيلا، ولكن اعلمي سيدتي أن أولادك أولى بوقتك من وظيفة «تعبانة»، فلا تضيعي على نفسك فرصة مراقبة عيالك وهم ينمون.
وسأختم حديثي هذا بكلام سيجعلني أسقط من نظر نحو 70 بالمائة من الرجال: في كل المرات التي دخلت فيها زوجتي المستشفى للولادة أخذت «إجازة وضع» لنحو شهر كي أكون معها خلال الشهر الأول من عمر طفلنا، لأقاسمها مناوبات السهر والنوم كي لا تنهار بعد معاناة تسعة أشهر لم تعرف خلالها متعة النوم على البطن أو الظهر.