لا تحرقوا أعصابي
تحرقون 12 مليار ريال سنويًا يا مفترين وأبو الجعافر «في عرض» 12 ألف ريال؟ وبدون تأنيب ضمير؟ لن أنسى أبدا كيف قام المصرف المركزي في دولة قطر بحرق العملات الورقية القديمة مرتين في غضون 15 سنة، مليارات الريالات الممتلئة عافية وقدرة شرائية صارت رمادا، فامتنعت عن السير في شارع الكورنيش بمدينة الدوحة عدة سنوات، لأنّ ذلك المصرف يطل عليه، وكلما مررت به تذكرت المليارات التي تعرضت للإبادة حرقًا، فتحترق أعصابي!
فما بالك عندما تقرأ معطيات تقرير الجمعية الخيرية للتوعية بأضرار التدخين والمخدرات في مكة المكرمة التي تفيد بأن السعوديين يستهلكون تبغًا قيمته 12 مليار ريال كل سنة؟ ولو كان الذين حرقوا آلاف الملايين تلك من المساطيل لقلنا «مفهومة بسبب غياب العقل والوعي»، ولكنهم مثلي ومثلك يتمتعون بكامل قواهم العقلية بل منهم نابهون ومتفوقون وعباقرة ومهنيون من الدرجة الرفيعة.
إذا كان للذين يحرقون تلك المليارات حس إنساني ولو بنسبة 5% فإنني أضعهم على المحك التالي: أنا شخص غلبان وغريب ديار وغريب أهل، ومحدود الموارد وبلا ضمان للتقاعد أو الشيخوخة، بدليل أنني هاجرت من بلدي الذي أحبه كثيرًا قبل أكثر من 30 سنة، وعشت بينكم يا حارقي المليارات! طيب ما قولكم في أن كل واحد منكم يعطيني ريالاً واحدًا في الشهر من مخصصاته للسجائر مدة عشرة أشهر، ولنفترض أن في السعودية مليوني مدخن، وإذا أعطاني كل واحد منهم ريالاً في الشهر صار عندي عشرون مليون ريال في عشرة أشهر. أستطيع بمبلغ كهذا أن أفتح كلية هندسة ومعهدًا مهنيًا.. وأستطيع أن أكون جيشًا للقضاء على الجراد والذباب، بدلاً من أكله عملا بنصيحة «الفاضي اللي عمل قاضي»!
بصراحة حرق 12 مليار ريال علنًا في الشوارع والبيوت والأماكن العامة أمر لا ينبغي السكوت عليه، ولكن الأمر المثير للريبة هو سكوت الحكومات على إهدار المليارات على التبغ! فإذا كانت الحكومة –أي حكومة– تزعم أنها معنية بتوفير الرعاية والحماية والأمن للمواطنين فلماذا نتغاضى عن إحراقهم العملات الوطنية ولماذا تسكت عنهم وهم يدمرون صحتهم ومواردهم المالية؟ بعبارة أخرى لماذا لم تتجرأ حكومة واحدة على ظهر البسيطة فتصدر قانونًا يحرم ويجرم التدخين استيرادًا وتصنيعًا واستهلاكًا؟ متى سنقرأ خبرًا يقول: السلطات الأمنية تعتقل الصحفي السعودي المعروف حسان الغامدي بعد ضبطه وهو يدخن في مخبأ سري في جدة؟ أو إن السفير الفلاني في سويسرا يبذل مساعي حثيثة للإفراج عن عبيد بن زيد الذي تم اعتقاله بعد اكتشاف سيجار كوبي مغشوش كان يخبئه في جيب سري في حقيبة ملابسه؟
وما هو أدهى من ذلك ما يورده تقرير الجمعية الخيرية الآنفة الذكر عن ارتفاع معدلات التدخين بين النساء! لماذا يا بنات الناس؟ ويفترض أنكن أعقل من الرجال في المسائل السلوكية وأقل ميلاً من الرجال في إلحاق الأذى بأنفسكن. كان التدخين عقودا طويلة لعنة ذكورية فلماذا لا تقلدن الرجال إلا في كل ما هو ضار مثل التدخين والسهر والصرمحة والتسكع؟ كل المجتمعات العربية باتت تعاني أعراض تفكك الأسرة بعد أن بات الرجال يتنصلون من مهمة رعاية العيال بالحجة الواهية بأنهم مشغولون بتوفير القوت.. والأمل معقود عليكن يا أخواتنا ويا بناتنا كي تمنعن ظهور أجيال «الشتات» داخل أوطاننا فحافظن على عافيتكن لأنكن منبع الحب والحنان، ولا أظن أن طفلاً سيفهم أنه محبوب لو نادته أمه: تعال يا كح كح حبي… كح كح حبيبي.. خاخاخا.. توف.