جمال علي حسن

كهربائيات


لاحظت أن الكثير من الأقلام لا تفرط في التفاؤل بمطالبة وزارة الكهرباء بإمداد كهربائي مستقر وتغطية كاملة، بل تطالب فقط ببرمجة عادلة وقطوعات معقولة.. وليست قلة الطموح هذه ناتجة عن تعايش كامل حدث لنا مع الأزمة وتكييف لطموحاتنا الكهربائية مع واقع الفشل المزمن في هذا القطاع الخدمي..
لكن خبرة المواطن السوداني الطويلة مع أزمة الكهرباء أنتجت وعياً ومعرفة بواقع الحال ودرجة العجز الموجود، و(البير وغطاها) لذلك فإن المواطن لا يفاجأ بقطوعات صيفية مبرمجة في حدود الساعات التي تعود عليها لكنه ينزعج كثيراً ويشعر بتدهور الأمور بدلاً عن تحسنها عاماً بعد عام حين (يرضى بهم البرمجة ولا يرضى هم البرمجة به) ويرضى بنصف كهرباء لحياته فلا يجد حتى الربع..
وما يحدث الآن من قطوعات يومية في عدد كبير من أحياء العاصمة يؤكد أن هناك تراجعاً عاماً في مستوى الخدمة عن الأعوام الماضية وليس كما يزعم وزير الكهرباء بأن هناك تحسنا في المستوى.. لأن جدولة الإمداد تعني توزيع نسبة العجز في المنتج الكهربائي بين المناطق ليتحمل كل حي حصته من العجز، هذه البرمجة التي لم تكن في الماضي بهذا المعدل الكبير في نسبة القطوعات ودورة القطع على كل حي..
كانت القطوعات مثلاً مرتين في الأسبوع أو بعد يومين أو حتى بعد يوم حين لم تكن هناك كل هذه التصريحات والوعود الجديدة والفتوحات الكهربائية الإعلامية المعلنة من محطات توليد جديدة، بل حتى قبل سد مروي نفسه الذي لم يشعر مواطن العاصمة بفرق يذكر بعد دخوله إلى الخدمة .
الآن معظم أحياء العاصمة مطفأة والحجة ضعيفة وجديدة (لنج) لم نسمع بها من قبل؛ حجة توفير الكهرباء لشهر رمضان والتي أشعلت خيال السخرية في الشارع السوداني في صيفٍ صائف، ودرجات حرارة عالية.. ولا تفسير عند وزير الكهرباء للوعود الموسمية المحزومة على ظهر راحلة (الشتاء والصيف) هذه؛ فحين يمر الصيف يخرج المسؤولون بوعود شتوية قاطعة بصيف قادم خالٍ من القطوعات، وحين يأتي الصيف بقطوعاته وأسوأ منها يعود هؤلاء المسؤولون (الكهربائيون) بأحاديث عن الصيانة والإسبيرات وحصار الموانئ والمطارات ..
وزارة الكهرباء هذه صارت وزارة سياسية وليست وزارة خدمية، فهي تستخدم أساليب السياسة بين التخدير والتصبير وكسب الوقت، لذلك ظل منصب مسؤول الكهرباء في بلادنا يتقلده دائماً أصحاب مهارات سياسية وقدرة على إقناع المواطن، ولا نقول خداع المواطن، لأن كلمة خداع قد لا يليق استخدامها، لكني لا أعرف ماذا نسمي وعودا قاطعة من الحكومة قبل أشهر بأن صيفكم القادم يا مواطنين بلا قطوعات ثم لا يصدق هذا الوعد؟.
نقول وبعيداً عن الاستثمار السياسي والشائعات التي تنتشر هذه الأيام بسبب وجود أصل وأرضية خصبة لإطلاقها وللاستثمار السياسي في هذه الأزمة التاريخية، نقول لكم إن العالم من حولنا تجاوز مرحلة توفير الكهرباء للمواطنين في دول ليس لديها توليد مائي ولا سدود ولا مال كثير للتوليد الحراري، لكنهم برغم ذلك تجاوزوا هذه المرحلة لأنهم وضعوها في الأولويات ولأن العجز في توفير الكهرباء يعني عجزا في الإنتاج ويعني المرض ويعني تعطل مؤسسات حيوية عن العمل وتعطل أجهزة حيوية طبية وغيرها.. يعني التخلف..
الكهرباء ليست سلعة مترفة ولا خدمة نخبوية أو شيء يمكن أن يستغنى عنه أي بني آدم في هذا العالم الآن .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.