جمال علي حسن

زيادة الأجور.. بالملعقة أم بالكوريك


في زمان سوداني مضى لم تكن قبضة صاحب الدكان على كُمْشة الفول بذلك المستوى من الإحكام والتمكن الكامل في إدارة عملية (الغرِف) بالمقدار المحدد بالضبط الآن.. وكانت كمية الفول التي يعطيك لها صاحب الدكان في الماضي تكون أحياناً على حسب سعة الماعون أو (جك الفول) الذي تحمله.. ولو شغلته (الونسة) أثناء تعبئة الماعون (وقصر شوية) تقوم بتنبيهه (زيد الفول دا ياخ).. فلا يتردد أو يتأخر في الاستجابة..
أما في مثل أيامنا هذه فصاحب الدكان حين يقوم بتعبئة الفول يحشد تركيزه على (الكمشة) ويلتزم حالة من الصمت أثناء التعبئة وكأنه في تلك اللحظة يؤدي السلام الوطني ونشيد العلم..
فهذا زمان شحيحٌ (فسِل)، لو طالبت فيه بائع الفول بالزيادة يدخل الكمشة ويخرجها بكمية رمزية لأغراض (حسن التسويق) و(المجاملة).
ومثل هذه الأغراض تحديداً (التسويق) و(المجاملة) في قضية زيادة أجورنا المعلنة الآن والمتوقعة لن تفيدنا تلك الأغراض بشيء إذ أن الزيادة قد تأتي بحسابات (زيد الفول دا ياخ).. في نسختها الجديدة التي لا تصل الزيادة فيها (ربع كمشة) لا تسمن ولا تغني من جوع .
وفي الزمان الذي ينشغل فيه نواب البرلمان بأنفسهم وبزيادة مخصصاتهم فإن مجلسهم هذا لا يقدم ولا يؤخر شيئاً بخصوص دوره المطلوب للتعبير عن صوت وحجم المعاناة التي يكابدها المواطن فيكون بذلك عبارة عن مجلس نواب منزوع الأنياب .
وفي الزمان الذي تحاول فيه بعض القوى السياسية استخدام سلاح الإضراب لتحقيق أجندات سياسية مما يجعل اتحاد العمال يعطل هذا السلاح تماماً فإن خلاصة الأمر والتي تعنينا كمواطنين أننا في الواقع أمام إتحاد عمال منزوع الإضراب .
وما بين (منزوع الأنياب) و (منزوع الإضراب) يبقى الرهان الوحيد على تقديرات الحكومة ووزارة المالية لحجم المعاناة وتفاعلها الذاتي كحكومة في تقديم معالجة تنظر إلى الفارق الكبير بين الدخل والمنصرف.. ذلك الفارق الذي لا تعوضه زيادات المجاملة والتسويق السياسي وزيادة (الفول حبة).. بل المطلوب اتخاذ خطوات موضوعية وواقعية لا تعتمد في نسبة زيادة الأجور على الحد الأدنى الحالي لأن مضاعفته مائة بالمائة قد لا تحقق التوازن المطلوب في معادلة الحياة في بلادنا ..
إننا نخاطب قيادة الدولة بأن تراعي في الزيادات الموعودة القادمة تلك الفجوة الضخمة جداً بين الدخل والاحتياجات الأساسية، ولا تحوجنا بعدها لإعادة تقديم الطلب (زيد الفول دا تاني)..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.