البشير وزيارة يوغندا
فاجأتنا صحيفة (آخر لحظة) بمانشيت مدوٍّ يقول: (البشير إلى يوغندا بالخميس) بما يعني أن الرئيس سيحط الرحال في عاصمة الرئيس موسيفيني.. أكبر أعداء السودان وأكثرهم مكرًا ودهاء رغم كل الكيد والأذى الذي أصاب السودان منه منذ أن تولى قيادة تلك الدولة.
لا أكاد أصدق أن يقوم إنسان بإدخال يده متعمدًا في جحر الأفعى السامة رغم أنه لًدغ منها عشرات المرات وامتلأ جسده بكل صنوف الأذى والدمامل السرطانية، ووالله إن تطمينات وتحوطات الدنيا كلها لن تقنعني باتخاذ قرار كهذا سيما وأن ذلك الشيطان هو الذي غدر بقرنق صديق الدراسة ورفيق كفاحه وسنده في مشروعه السياسي العنصري المسمى بمشروع السودان الجديد، فكيف يفعل لعدوه اللدود (البشير) الذي ظل يكيد له ويتآمر عليه وعلى بلاده ويسعى لإيذائه بجميع الوسائل؟!
كثيراً ما نبهت إلى أهمية التفريق بين العدو التكتيكي الذي ينقم عليك لخلاف وقتي حول الحدود الجغرافية والمصالح الاقتصادية والتجارية مثلاً وبين العدو الاستراتيجي الذي يناصبك العداء لخلاف فكري مبدئي، ولذلك يدهشني أن من نصحوا الرئيس البشير نسوا أن عداء موسيفيني للبشير يصدر عن خلافات استراتيجية متعلقة بتبني موسيفيني للأفريقانية كعقيدة سياسية يسعى لفرضها على أفريقيا عامة وعلى السودان المتنازع في هويته بين عروبته وإسلامه من جهة، وبين أفريقيته من جهة أخرى.
لقد ظل موسيفيني منذ أيام الدراسة في تنزانيا يتبنى رؤية قرنق التي يقوم عليها مشروع السودان الجديد الذي استل منه قرنق عبارة (تحرير السودان) وأدخلها في اسم حركته وجيشه (الحركة الشعبية لتحرير السودان) و(الجيش الشعبي لتحرير السودان)، ومعلوم ما تنطوي عليه عبارة (تحرير السودان) من رائحة عنصرية كريهة تعني تحريره من العرب، بل إن قرنق وموسيفيني شهدا مذبحة العرب في زنجبار في ديسمبر 1964، وتأثرا بها وظلت حلماً يراودهما على الدوام، علماً بأن تلك المذبحة تشبه التطهير العرقي الذي سبقها في جنوب السودان عام 1955 فيما عرف بتمرد توريت الذي طال 13 مدينة ومركزاً في وقت واحد.
لقد ظل موسيفيني الداعم الأكبر لقرنق مع دول أخرى كإسرائيل طوال سنوات التمرد الذي أشعله قرنق عام 1983، ثم كان نصيرًا للجبهة الثورية التي جمعها في كمبالا مع بعض مكونات المعارضة السودانية، ولذلك قد يدهش المرء لمجرد التفكير في تلك المخاطرة الغريبة مهما بذل موسيفيني من وعود وقدم من تعهدات للرئيس البشير .
إن خوفنا من الزيارة قائم على ما يمكن أن يصيب الدولة السودانية من فراغ دستوري وسياسي لو حدث شيء للرئيس البشير، وليس من الحكمة أن تتخذ السلطات الأمنية قرارًا يعرض أمن السودان القومي للخطر الماحق.
ذلك كان موقفنا حين عارضنا إسقاط النظام من خلال العمل العسكري أو حتى الانتفاضة الشعبية مستبدلين ذلك بالتغيير السلمي عبر انتقال تدريجي وليس فجائياً، وذلك ليس لحرصنا على نظام الإنقاذ الذي نعلم أنه قد استنفد أغراضه منذ زمن جراء الحروب والأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية والفساد المستشري وغير ذلك من المصائب التي أدخل فيها السودان وعطل بها مسيرته وإنما لعلمنا بهشاشة بنية الدولة السودانية التي تمور بالنزاعات والحروب الجهوية والقبلية والعنصرية التي نخشى إن حدث فراغ دستوري أن تقذف بالسودان في أتون حرب لا تقل ضراوة من تلك المشتعلة في سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال، فهلا ترفّق البشير بوطنه وأقلع عن المجازفة بمستقبله؟