في المركز والهامش ..!
“الفقر أبو الجريمة” .. ماركوس أوريليوس ..!
ردة الفعل”النمطية” البكر، التي قد تصدر عنك .. وعنِّي .. وعن معظم الآخرين، عند قراءة خبر صحفي مَتنُه فاجعة اجتماعيةما، يصحبها في الغالب شعور مبهم بالارتياح .. وبمعث الراحةهو أن ما يحدث لأبطال تلك الفاجعة لا يحدث لك .. هي ردة فعل إنسانية طبيعية .. لا يختلف الاجتهاد في تبريرها عن تفسيرأرسطو للضحك كردة فعل (نحن نضحك على من هم أقل منا .. نضحك على قبحهم .. نشعر بالفرح لأننا ننتمي إلى طبقة – إنسانية – أعلى) ..!
لابد أن هذا هو بالضبط ما ستشعر به وأنت تقرأ في خبر حكم محكمة جنايات سودانية بالإعدام أو السجن المؤبد على فرع قتل أصله .. بينما عقلك منشغل بالتفكير في بعد المسافة التي تفصل محيطك الخاص عن المناخ الاجتماعي الذي وقع فيه مثل هذا الجرم الشنيع ..!
لعلك سوف تستشرف البون الشاسع .. ثم تحمد الله على اقتصار بعض الشرور على أهل الطبقات الدنيا وسكان الأطراف النائية .. أقول لعلك قد تفعل! .. متناسيًا أن كليكما أنت وذاك الأب المجرم تنتميان إلى ذات المجتمع ..!
أو .. لعلي قد أسرفت في تخصيص السطور السابقة لإقناعك – وإقناع نفسي – بأن جرائم بشعة مثل جرائم الأسرة وإن كانت بعيدة كل البعد عن عوالمنا الخاصة النظيفة .. فهي ليست في بعدها عن محيطنا الاجتماعي، كما نظن ونحسب .. وفي بعض الظنون شبهة .. وفي بعض اللامبالاة ذنوب نقترفها من حيث لا ندري ..!
كثرت هذه الأيام حكايات وأخبار وقضايا جرائم الأسرة، وكلما استمعت إلى واحدة بدأتُ أقيس حجم الخطر.. وكلما فعلت تذكرت مواجهة شخصية مباشرة مع هذا النوع من الشذوذ المفزع عن الفطرة السوية .. أيام دراستي للقانون بجامعة الخرطوم .. كنتُ أقضي فترة تدريبية بإحدى المحاكم عندما أفزعني وقوف أسرة سودانية عادية تأكل الطعام وتمشي في الأسواق (رجل وزوجته وابنته) أمام القاضي لأفظع سبب قد يخطر لبشر سوي على بال ..!
إنها آفات العولمة التي لا تعني فقط انتقال التطور العلمي والتكنولوجي من العالم الأول إلى عوالمنا الثالثة .. بل تعني بالضرورة – أيضا – انتقال عدوى المصائب الأخلاقية .. والأمراض الاجتماعية ..!
ماذا تنتظرون والقنوات العربية تبث على مدار الساعة أفلام وبرامج المجتمعات المفككة .. فتنتشر عدواها في عشوائيات سكانية مكبوتة .. حيث البطالة .. والتخلف .. وحيث يتكدس العاطلون المحبطون .. والسكارى الذين فقدوا إيمانهم بجدوى الأخلاق مع المستضعفات من النساء تحت سقف واحد ..؟!
الحل – كل الحل – في مد جسور التواصل .. والإصلاح .. والتأهيل .. المجتمعات العاقلة لا تقلل من شأن ظواهر الطرف.. والأسفل.. والقاع.. والهامش .. المجتمعات الحكيمة تعلم جيدًا أن معالجةالظواهر السالبة في المركز تبدأ دوماً منالهامش .. فهل من مُذَّكر ..؟!