إعلان الدمازين
كثيراً ما يتناقض موقف وثوابت المفاوض الحكومي وقناعات وآراء أهل المنطقتين.. حيث تدور رحى الحرب الطاحنة وكم مرة وجد أبناء المنطقتين من السياسيين أنفسهم بين مطرقة التزاماتهم السياسية مع أحزابهم القومية.. ورغبات وأشواق مواطنيهم الذين يكيلون إليهم الاتهامات الجزافية بأنهم يعبرون عن مصالح الخرطوم السياسية أكثر من تعبيرهم عنهم.. وقد اكتشف رئيس الوفد الحكومي المفاوض المهندس “إبراهيم محمود حامد” نائب رئيس المؤتمر الوطني ومساعد الرئيس تلك الفجوة وعمد على ردمها وسد الفجوات التي تحدث.. وقيمة “إبراهيم محمود” السياسية تتمظهر في واقعيته وخبرة سنوات بملف تلك المناطق ورغبة أكيدة في التوصل لاتفاق نهائي ينهي النزاع.. وطلب “إبراهيم” من الفعاليات السياسية في النيل الأزرق وجنوب كردفان توحيد رؤاهما حول قضايا التفاوض والاتفاق أولاً على خارطة طريق تنهي الجدل حول تلك القضية.. وكثمرة لتلك التوجهات عقدت ولاية النيل الأزرق (أمس)، لقاءً تفاكرياً جمع كل قيادات المنطقة من كل الأحزاب السياسية في الولاية.
[الاتفاق سياسياً على رؤية موحدة تعبر عن الإرادة الشعبية الجمعية لأهل النيل الأزرق وفتح أبواب الحوار الحر في مناخ ينبئ عن بشائر ديمقراطية قادمة وحريات سياسية تعيد للوطن المفقود من الممارسة. . وتحدثت قيادات ولاية النيل الأزرق بصراحة شديدة وإرادة حرة عن قضايا شديدة الحساسية من مطالبات بالإفراج عن المعتقلين على ذمة التحقيقات والمحكومين في قضية الاشتراك في أحداث التمرد إلى المطالبة بنصيب للولاية من إيرادات كهرباء السدود والمياه العابرة لأراضي الولاية وإعادة النظر في الأراضي السكنية التجارية والزراعية بما يرفع الغبن التاريخي الذي حاق بالنيل الأزرق.. وطالبت توصيات إعلان الدمازين بإعفاء طلاب وطالبات الولاية الدارسين في الجامعات من الرسوم أسوة بطلاب دارفور.. ورفض الإعلان التفاوض مع “ياسر عرمان” باعتباره لا يمثل أهل المنطقة، ولا ينبغي للحكومة التفاوض معه على أساس تمثيله للنيل الأزرق.. وعاد أهل النيل الأزرق للمطالبة بعدم ربط قضيتهم بجنوب كردفان للاختلاف السياسي والاجتماعي والتاريخي بين المنطقتين.. وتمسك إعلان النيل الأزرق بالحكم الفيدرالي غير المنقوص وحق أي منطقة أن تحكم نفسها دون وصاية من أحد.. وشدد الإعلان الذي تلاه “عبدالرحمن بالعيد” نائب الوالي أمام مساعد رئيس الجمهورية (أمس) على ضرورة أن تحظى الولاية بتمثيل أكبر في مجلس الوزراء وتعيينات تفضيلية في مناصب السفراء ووكلاء الوزارات الاتحادية.. وتعهدت الحكومة الاتحادية بإنفاذ التوصيات بعد رفعها لرئيس الجمهورية.. ومثل اللقاء التفاكري لقيادات كل الأحزاب السياسية في الولاية.. بارقة أمل تلوح في الأفق بوحدة صف المنطقتين لمجابهة المواقف المتعنتة للحركة الشعبية في المفاوضات خاصة ما يتعلق منها بوقف الحرب والتوقيع على خارطة طريق السلام.. وقد اعترفت قيادات النيل الأزرق بأنهم جميعاً لديهم علاقات رحم وصداقات ومعارف مع المتمردين الذين يحملون السلاح ويمكنهم المساعدة في إرغام أو تحفيز البعض على اعتبار السلام هو الخيار الذي يمثل رغبات الأغلبية الصامتة في الداخل.. وبانفضاض اللقاء التفاكري فإن مهمة كبيرة تقع على عاتق حكومة الوالي “حسين أبو سروال” في تسويق الإعلان داخلياً ومخاطبة المواطنين بمضمون الإعلان لكسر حالة الجمود التي تعتري جهود التسوية لقضية آن لها أن تبلغ نهاياتها.
[ الضيق بالحرب والرغبة الملحة في تحقيق السلام هي القاسم المشترك بين كل المواطنين قيادات ورموزاً وفعاليات سياسية من كل الأحزاب في المنطقتين.. ولكنهم غير قادرين على تغيير الواقع سلماً أو حرباً.