جمال علي حسن

مؤتمر الشيوعي.. تعويذات فكرية وطواف حول القبة


لا شك إطلاقاً في الدور الوطني التاريخي للحزب الشيوعي السوداني وسهمه النضالي الطويل بجانب إثرائه للساحة الفكرية والجماهيرية والسياسية، وهو الحزب المثابر على المشاركة في كل الانتخابات التي جرت في السودان قبل عام 89 ومنذ سنة 53..
ولا شك في صدق الإنتماء الوطني للكثير جداً من قيادات هذا الحزب في الماضي والحاضر وعشقهم لتراب هذا البلد وعملهم لأجله.. هذه حقائق لا ينكرها أحد.
لكن في واقع الأمر بدأ الحزب الشيوعي منذ سنوات طويلة يفقد هذه الحيوية والجاذبية والقدرة على المواكبة والتطور، والقدرة على الاحتفاظ بصفة التقدمية نفسها؛ ليست بوصفها مجرد ثورة قديمة على المفاهيم التقليدية، أو خروج عن مألوف الثقافة الإجتماعية والدينية الموروثة.. بل أعني التقدمية كفلسفة سياسية عامة، تدعم وتشجع نزعات الإصلاح والتطوير السياسي والفكري والاجتماعي، ولا تلعنها وتحاربها .
توقفت عجلة تقدمية الحزب الشيوعي حين تجمد وتيبس تفكير الحزب عند محطة النظرية الماركسية بتقديس كامل وتحولت تلك النظرية إلى قبة أو ضريح فكري يحرسه بعض حيران الحزب الغلاظ ويمنعون حتى من يريدون التأمل في واجهة تلك القبة وما أحدثته عوامل التعرية في جدرانها من تشققات.. يحرمونهم حتى حق النظر .
هذه الحالة التي يعيشها الحزب الشيوعي لا تشبه مستوى العقول التي تنتمي إلى هذا الحزب والذين يتمتع بعضهم بحمولات ثقافية.. ومستوى عالٍ جداً من الوعي..
وعي المراجعة والتراجع عن الكثير من القناعات القديمة وبلاغات التناقض الفكري التي تركها الحزب حائرة مجمدة وتطوير الفهم السياسي على المستوى الخاص وباجتهاد لا سهم فيه لتلك القبة غير ما ألهمتهم به حالتها العامة من رغبة في التطوير ولو بتغيير لون الطلاء أو تحسين المبنى ..
لذلك يمكننا أن نقول إن هناك الآن حزبا شيوعيا رجعيا وليس تقدميا بينما يوجد شيوعيون يتمتعون بتقدمية عالية في فهمهم الخاص وسلوكياتهم الشخصية المنسجمة مع ثقافة المجتمع السوداني الدينية والاجتماعية بالكامل لكنهم يعيشون مفارقة بين سلوكهم وانتمائهم .
ومهما حاولت قيادة الحزب الشيوعي الآن إنكار وجود أسباب غير تلك الأسباب الإجرائية وراء موقفها من د. الشفيع خضر ومن معه فإن الواقع يؤكد أن توجهات الشفيع خضر وانتقاداته الفكرية هي السبب وراء حساسية التعامل معه والخلاف بينه وبين قيادة الحزب وحراس القبة .
محزن جداً أن يتحول حزب تقدمي إلى حزب رجعي لو حاولنا إعادة توزيع هذه المصطلحات على الساحة السياسية بعلمية وبدون تأثر بخلفيات التاريخ..
قد يعقد الحزب الشيوعي مؤتمره السادس بطواف روتيني حول قبة الماركسية مع ترديد بعض التعويذات الفكرية القديمة.. غالباً هذا هو الذي سيحدث .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.