ضياء الدين بلال

غزوة أبو زيد!


ما فعله رئيس ديوان المظالم، مولانا أحمد أبو زيد، وهو يقدم تقريراً للبرلمان، من (42) صفحة، عن وجود تجاوزات في ثماني وحدات حكومية، ثم محاولته التراجع عن ذلك، أمر مؤسف ومسيء لمفهوم وقواعد العدالة.
الشفافية مطلوبة في محاربة الفساد ومحاصرة التجاوزات، ولكن يجب أن تكون مقرونة بالدِّقَّة التي لا تحتمل الأخطاء، لأن الأمر ذو صلة بسمعة الأفراد والمؤسسات.
وعلى الجهة التي تتصدَّى لمثل هذه الملفات، أن تُبدي قوةً وثباتاً على المواقف، وأن لا تتلجلج أمام النقد أو تضطرب أقوالها تحت الضغوطات، فتُنكر اليوم ما قالته بالأمس.
اطَّلعت على ما ورد في التقرير بدا لي كأنه أُعِدَّ على عجل، ودون إجراء التدقيق اللازم، كأن الغرض منه إثبات الوجود والفاعلية ولفت الانتباه.
لم يتَّبع التقرير منهجاً واحداً في التعامل مع القضايا المطروحة، ففي بعضها أورد المناصب والصفات الوظيفية، وفي أخرى ذكر الأسماء.
كثيرٌ من التجاوزات الإدارية المُتعلِّقة بالتعارض بين اللوائح والقوانين، كان يمكن معالجتها بهدوء، ودون ضجيج، أي أن توضع في حجمها الطبيعي.
بعض الإشارات ذات الطبيعة الاتهامية المتعلقة بالفساد، كان يجب التعامل معها كبَيِّنات أوليَّة، تخضع لمزيد من التَّحرِّي والتَّدقيق قبل الإعلان عنها؛ فما يرد في مثل هذه التقارير ويُنشر في الصحف، سيُعتبر إدانة إعلامية واجتماعية غير قابلة للنفي أو التصحيح، حتى بالأحكام القضائية.
من الواضح أن الحكومة لا تملك رؤية لمحاربة الفساد، لذا أمر المحاربة يصبح خاضعاً لتصوُّرات وتقديرات من يشغلون وظائف في مؤسسات معنية بالمراقبة والرصد؛ فبدلاً عن أن تصبح المؤسسات حاكمة ومحددة لحركة وتقديرات الأفراد، تجد الأفراد هم من يطبعون المؤسسات بطباعهم وسماتهم الشخصية.
مولانا أحمد أبو زيد رجل قانوني، له سمعة طيبة في مجال القضاء، ولكن من خلال تجربته في وزارة العدل في منصب وزير الدولة، وضح أنه كثيراً ما يُخطئ التقديرات، لذا غادر المنصب في زمن وجيز.
على الحكومة تأسيس رؤية مُتكاملة لمُحاربة الفساد، عبر كيانٍ مُوحَّدٍ ذي صلاحيات مُحدَّدة بدِقَّة، وأن لا تتعدد المؤسسات فتتقاطع وتتصادم مع بعضها بعضاً.
طريقتان في التعامل مع قضايا الفساد في التجربة السودانية:
طريقة سائدة داخل الحكومة، كانت تتوجس من كلمة (فساد)، ولا ترغب في التعامل معها، وتحسب أنها دائماً تُخفي في داخلها مؤامرة أو تُخبِّئ من خلفها كيداًً.
وطريقة أخرى رائجة في المعارضة، حيث تستخدم اتهامات الفساد كسلاح من أسلحة الصراع السياسي، وحرق العدو أو تشويه صورته على الأقل!
تقرير مولانا أحمد أبو زيد رئيس ديوان الحسبة والمظالم، يُرسِّخ لقاعدة مهمة، وهي :
تجنُّبُ التعامل مع الفساد بحزم وعزم، مثل الاستسهال في إصدار أحكامه. كلاهما يضر بقضية النزاهة.