جعفر عباس

اجعلوا الروبوت ناطقا رسميا

وقعت في غرام شعب إكوادور بعد أن أثبتوا أنهم يتحلون بوعي سياسي رفيع، وتجلى ذلك عندما انتخبوا رئيسا وعدهم بتحسين مستويات المعيشة، وتقديم الحليب للأطفال في البيوت عبر خطوط أنابيب، وبأن يتم تعديل الأشجار جينيا حتى تطرح سندويتشات باللحم والكتشاب، وإحداث طفرة تنموية تجعل الأمريكان يتسابقون للفوز بفرص عمل في البلاد، ومحاربة المجاعة في اليابان.
وجلس الرجل على كرسي الحكم ولحس كلامه ذاك، أي نسي أمر وعوده، بل لم يحاول مجرد محاولة أن يسعى لتطبيق برنامجه الانتخابي، وعندما أحس بأن الشعب يتململ ويريد تغيير النظام صار يحمل جيتاره ويطوف في الميادين العامة ليغني للجماهير، فازداد سخط الشعب عليه لأن صوته كان أقبح من صوت شعبولا، فكان أن خرجت مظاهرات عارمة أطاحت به، فقد اكتشف شعب إكوادور أن الرجل -واسمه أبو كرم مستهبل- وما لم يكونوا يعرفونه -حتى يعذروه- هو أنه عربي وبالتالي فإن الاستهبال في جيناته، ومن ثم فقد كان يقول ما لن يفعل،.. وكلام الليل يمحوه النهار!!
ومنذ أن طار أبو كرم وإكوادور تنعم بالاستقرار والازدهار! وهي البلد الوحيد في أمريكا اللاتينية (تعجبني طرفة: لماذا تسمى أمريكا الجنوبية باللاتينية؟ الجواب: لعدم وجود التين فيها) التي لم تشهد انقلابا عسكريا خلال ربع القرن الماضي، ولكن قبل أيام قليلة طفحت الجينات العربية في أحد المسؤولين الإكوادوريين (ففي تلك البلاد جالية عربية كبيرة تتألف في معظمها من اللبنانيين عمرها نحو مائتي سنة)، فقد عقد محافظ إحدى مقاطعات إكوادور مؤتمرا صحفيا، مصطحبا معه ببغاء، وكلما طرح الصحفيون سؤالا على المحافظ تولى الببغاء الرد: كل شيء يسير حسب الخطة المرسومة… هذا السؤال تردده جهات مغرضة حاقدة تخطط للنيل من مكتسبات بلادنا… لا نعاني من مشكلات في الخدمات… لا توجد عندنا مشكلة مجاري بعد أن بدأنا في ضخ الكولونيا في شبكات الصرف الصحي.. هناك فائض في ميزانية المقاطعة اضطررنا الى التخلص منه بصبه في شبكة المجاري.
والفرق بين ذلك المسؤول الاكوادوري والمسؤولين عندنا هو أن الأول جاء بببغاء حقيقي ليقول الكلام المكرر والمعاد والممجوج، بينما جماعتنا يأتون بببغاوات بشرية ثقيلة الدم لتقول نفس الكلام السخيف عاما بعد عام ولتؤكد لنا أننا نرى الأمور بالمقلوب. عندما استولى عساكر الجبهة الإسلامية على الحكم في السودان في عام 1989 فرضوا حظر التجوال الليلي على الناس طوال أربع سنوات وبرر الدكتور حسن الترابي -رحمه الله- وكان هو مهندس الانقلاب وعراب النظام (قبل أن يصبح من دعاة الديمقراطية وبالتالي من ضحايا القمع)… بأن حظر التجوال والحد من حرية الحركة الذي استمر أربع سنوات متصلة ساعد على الترابط الأُسري والتناسل والتكاثر، وبحكم عملي في مجال الإعلام، فإنني أدرك كم يعاني العاملون في الأجهزة الإعلامية العربية وهم يرددون كلاما لا يقنع حتى هبنقة، وتحويل ابن آدم إلى ببغاء، أو افتراض أن عقله تعرض للإلغاء، فيه إهدار لكرامته، ومن ثم فإنني أقترح إلغاء وظائف المذيعين والمذيعات في قنوات التلفزيون ومحطات الراديو واستبدالهم بكائنات افتراضية (فيرشوال) أو روبوتات، يتم تجميعها إلكترونيا لتتولى تقديم الوعود الرسمية والضحك على عقولنا فنوفر بذلك مبالغ ضخمة يمكن إنفاقها على الحفلات الرسمية التي تقام بمناسبة افتتاح المشروعات الافتراضية (الوهمية) (في النمسا أسس أحد المحامين حزبا سياسيا يدعو برنامجه الشعب الى عدم دفع الضرائب «لأن واجب الدولة توفير الموارد من بيع السلع والخدمات لملء الخزينة العامة»، كما أنه طالب بحل القوات المسلحة متعللا بأن النمسا بلد غلبانة ولا تستطيع الدفاع عن نفسها واقترح وضع شريط تسجيل في مقر وزارة الدفاع يبث إعلانا صوتيا باستسلام البلاد بمجرد تعرضها لأي غزو).