حتى لا يفقد طلاب بلادنا حقوقهم الأصيلة
لم يكن التحرك العسكري الذي تم في 30 يونيو 1989 سيجد ما وجده من القبول من الكثيرين والتفهم والتفاعل معه لولا سوء إدارة البلاد في التجربة القصيرة للأحزاب في سنوات الديموقراطية الثالثة، هذا الحال الذي كان يعني سوء إدارة المناخ الديموقراطي بما وفره هذا المناخ من فرصة أخرى لممارسة الحريات فكانت الساحة الصحفية الحزبية تعج وتضج بالفوضى والتلاسن والمساجلات والهبوط الكبير في لغة الصحافة الحزبية.. ودونكم دار الوثائق وذاكرة المعاصرين ..
كذلك الأمن والاقتصاد والسياسة والسيادة كلها كانت ما بين الوصف بأنها منهارة والوصف بأنها مهددة بالانهيار.. فتوفرت الفرصة وتوفرت المبررات لأي تحرك عسكري كان بإمكانه استلاف نفس اسم الإنقاذ وتبنيه كعنوان له.. وهذه حقيقة تريخية تقول إن فشل النظام الديموقراطي في تقديم نموذج مبشر للمواطن في تلك المرحلة قد وفر استعداداً لدى هذا المواطن لاستقبال أي منقذ له من حاله يتقدم لاستلام السلطة .
بهذا المنطق فإن على القوى السياسية.. جميع القوى السياسية أن تنتبه لخطورة إفساد مناخ النشاط السياسي داخل الجامعات السودانية، لأن حرية النشاط السياسي لطلاب الجامعات هو حق وطني أصيل يجب الحفاظ عليه بحسن إدارته حتى لا تتوفر فرصة ومبرر للقبول بمصادرة هذا الحق بالكامل في حال تحولت ساحات النشاط السياسي والنقابي في الجامعات السودانية إلى معتركات مواجهة مفتوحة بلا سقف..
لو استمر هذا الحال.. مواجهات وعنف يتسبب في موت الطلاب كل يوم فسيتوفر مبرر منطقي لدى متخذي القرار بمصادرة حق النشاط السياسي بشكل كامل من الجامعات.. وليس فقط حظره مؤقتاً في جامعة الخرطوم أو غيرها بعد مقتل طالب أو اشتباكات دامية بين الطلاب..
الحظر الكامل للنشاط السياسي ليس قراراً مستحيلاً ولا هو بالأمر الشاذ في دول المنطقة فالكثير من الدول المجاورة حظرت النشاط السياسي بسبب العنف والصدام بين الطلاب وبعض الدول العربية لا تسمح من الأساس للطلاب لا بممارسة عمل سياسي ولا تكوين إتحادات طلابية .
نعم هذه حقوق تاريخية أصيلة في السودان لكن بوجود المبررات قد تتقبل أوساط واسعة في المجتمع مصادرتها حرصاً منهم على سلامة أبنائهم وبناتهم وحرصاً منهم على استقرار الجامعات وتخرج أبنائهم الذي يعني لهم تأدية هذه الأسر لمرحلة مهمة من رسالتها وواجبها في تربية أبنائها ليشقوا طريقهم في الحياة العملية في هذا الزمن الصعب .
إغلاق الجامعات وتعطيل الدراسة يعني زيادة فاتورة الأسر في تعليم أبنائهم في زمن يقاتل فيه هؤلاء في معترك الحياة قتالاً مع الظروف الصعبة كي يتمكنوا من تعليم أبنائهم .
هذه تفاصيل واقعية وهي التي توفر استعداداً أكيداً عند الكثيرين لتقبل قرارات حظر النشاط السياسي مع أن هذا الحظر بلا شك يحرم هؤلاء الطلاب من فرصة التمتع ببعض حقوقهم والاستفادة منها في تأهيلهم للحياة العامة بالجرعة المطلوبة من الوعي العام.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.