جعفر عباس

الله يرحمك يا عباس الحنون


بين الحين والآخر تنشط جينات السادية في نفسي، فأتعمد التنكيد على القراء ولو بحكايات اطلعوا عليها قبلي، وإنصافا لنفسي فليس في الأمر سادية بقدر ما هي محاولة للفضفضة، فعندما أكون غاضبا أو حزينا، فإنّ التحدث مع الآخرين حول الموضوع المثير للغضب أو الحزن يخفف عني معاناتي: نبدأ بالمواطن العربي الذي اكتشفت الشرطة أن لديه بنتا من زوجة سابقة (طلقها) ظلت محبوسة في غرفة مظلمة طوال خمس سنوات. عمرها الآن 12 سنة ودخلت السجن بقرار من والدها وزوجته الثانية وعمرها سبع سنوات. نقلت الشرطة الطفلة إلى المستشفى، واكتشفوا أن نموها الجسدي والعقلي توقف تماما بسبب سوء التغذية وعدم الحركة وفقر الدم وافتقار جسمها إلى (فيتامين دي) بسبب عدم التعرض لأشعة الشمس، والأسوأ من كل ذلك أن الطفلة صارت تخاف من البشر بعد أن اعتادت العيش المنفرد في الظلام.. ولماذا فعل السيد (السيئ؟) أحمد ذلك ببنته؟ «زهج» منها ويريد التفرغ للزوجة الجديدة ولا يريد ما يذكّره بالمرأة التي طلقها.. هذا أب أم كلب؟ حتى الكلبة مستعدة للموت دفاعا عن صغارها، وهذا الأب الكلب مهنته: طبيب، واسمه أحمد الوزير (الصحيح: أحمق الوزر).. المهم احفظوا اسمه فقد يخرج من السجن حيا.. فإذا سمعت بأنه موجود في مكان ما فأبلغني، طالما أنا أيضا حي، وسأفعل كل ما في وسعي لاختطافه وحبسه في غرفة مظلمة خمسة أيام (وليس سنوات) فقط لا يأكل خلالها سوى البرسيم، وبعدها هو وشطارته ليتعالج من الآثار النفسية والعضوية.
وفي الهند قتل رجل طفلته البالغة من العمر 5 سنوات بعد أن اتهمها بأنها سرقت منه مبلغا يساوي نحو دولار وربع الدولار!! هذا مبلغ كبير بالنسبة إلى المعدم الفقير ولكن أن يعتقد أب أن مليونا وربع المليون دولار أهم من حياة طفله فهذا ليس أبا بل كلب. وفي شبرا الخيمة بالقاهرة عاد الأب الذي يعمل «كمساري» في الحافلات العامة، إلى البيت ليلا وخلع ملابس العمل وراح في نوم عميق، وفي الصباح ارتدى ملابسه وتفقد جيوبه واكتشف فقدان 19 جنيها من مجموع 50 جنيها كانت في جيبه، وعلى الفور افترض أن ولده الوحيد ابن الخمس سنوات سرق ذلك المبلغ، فأمسك به وربط يديه وساقيه على سرير حديدي وأتى بخرطوم البوتجاز. الدماء تسيل والولد يصرخ والأب مستمر في ضربه.. توقف نزف الدم ولم يعد الولد يصرخ والأب مستمر في الضرب.. حاولت ابنته هاجر التوسل إليه ليرأف بأخيها فقال لها: لو شفتك قدامي حتنضربي زيه.. فهربت المسكينة وبعدها أدركت ان أخاها مات.. ابن آدم.. طفل أرخص من 19 جنيها؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
أذكر على عهد الصبا أننا لم نكن نحتاج إلى مصاريف شخصية إلا نحو مرة في الأسبوع لشراء الباسطة (البقلاوة) أو الذهاب إلى السينما، وكان شقيقي الأصغر محجوب «شقيا»، وجريئا، فإذا رفض والدي طلبا له يتعلق بالمال انتظر حتى يبدأ والدي الصلاة فيدخل يده في جيب جلبابه، ويسحب منه خمسة قروش.. وكان أبي يدمدم إححححح ممممم، من دون أن يقطع صلاته وبكل بجاحة يصيح محجوب: الخشوع في الصلاة يا أبوي، وكانت الـ5 قروش وقتها تغطي لوازم وجبة غداء لعائلة كاملة، ورغم أن محجوب كرر عمليات السطو الإجرامية تلك عشرات المرات، فإن والدي لم يرفع يده عليه قط بل كان يوبخه ويذكره بأن مستقبله «زي الزفت». وكان ذلك في وقت كان والدي فيه بلا عمل بعد أن أصيب بشلل جزئي نتيجة جلطة، وكانت مصادر دخله محدودة من عائد إيجار مبان «تعبانة» وكان يعولنا شقيقي الأكبر عابدين.
كان والدي بدوام كامل، وكانت ثروته الحقيقية نحن عياله وحسا إنسانيا وغريزة الأبوة الصادقة! رحم الله عباس سيد أحمد.