يوسف عبد المنان

دعوة تجميلية


دعوة البروفيسور “سعاد الفاتح البدوي” في يوم تكريمها الأسبوع الماضي الذي تأخر كثيراً.. بأن يعين الرئيس “البشير” وزراء لا يركبون السيارات الفارهة.. ومضت في حديثها غير الواقعي لتقول (يا عمر نحن دايرين وزراء يركبوا معانا المواصلات ويعانوا معانا ولو ما عملوا كدا ديل ما وزرانا وما بنعرفهم)، طيب ماما “سعاد” أنت علاقتك بالمواصلات العامة شنو؟؟.. هل في السنوات الثلاثين الماضية شاهدت المواصلات العامة؟!.. إنها دعوات غير واقعية وغير منطقية.. لأن “سعاد الفاتح” التي تدعي الاقتراب من قضايا الشعب لم تقف يوماً إلى صف الشعب حينما قررت الحكومة زيادة أسعار المحروقات.. ولم ترفع صوتها فوق صوت وزير المالية حينما عدلت الميزانية بعد أقل من شهر من إجازتها، ولا يزال الناس يذكرون موقف البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” رئيس الهيئة التشريعية القومية حينما رفض تعديل الميزانية ولم يسمع الشعب بموقف لـ(ماما) “سعاد” وحتى تتشابه في مواقفها مع مواقف “وليم جيفرسون” داعية الحرية إبان الثورة الأمريكية.. كان “جيفرسون” يبدو صادقاً فيما يقول بأن الحرية حق طبيعي لكل إنسان لذلك يجب تأطير الحرية كمبادئ في الدستور، ولكن المفارقة أن “جيفرسون” نفسه كان سيداً لأكثر من (30) عبداً، أي رقيقاً، كما كانت له إماء أنجب من واحدة منهن طفلته “سالي”، وهو الذي اشتهر بالدعوة لتحريم الزواج بين الأعراق المختلفة، ولم يدر بخلد “جيفرسون” أن هناك تناقضاً بين الموقفين، لأن الحرية التي يتحدث عنها تخص البشر وأرقاؤه ليسوا من البشر في ظل الفكر السائد آنذاك.
والبروفيسور “سعاد الفاتح” ليست مطالبة بأن تمتطي سيارات الأمجاد مثل ما فعلت الوزيرة السابقة “سناء محمد العوض” حينما تأخر سائقها.. ولا الشعب يقبل بوزراء تمزق ملابسهم مقاعد حافلات الحاج يوسف.. بل إن الدكتور “علي أحمد سبيل” له نظرية مغايرة لرؤية “سعاد الفاتح”.. حيث إن تعيين الوزراء والمسؤولين من الطبقات الفقيرة من شأنه إهدار أموال عامة الناس.. لأن الوزير أو المسؤول الذي لا يملك سيارة ولا منزلاً ولا تتزين زوجته (بحبة) ذهب على عنقها.. مجرد تعيينه يجهد نفسه ، ويهجم على المال العام هجمة فقير ،يبحث عن الغناء.. يأكل الأخضر واليابس ، ليبني له منزلاً ويشتري لنفسه وأولاده سيارة.. ولزوجته ذهباً.. وحينما يشبع حاجياته تضيع مصالح المسلمين!!
هذه النظرية قد تجعل السلطة حكراً على الأثرياء ،وكانت الإنقاذ في بواكير صباها تباهي وتفتخر بأن أحد صناعها “الطيّب سيخة” يقطن حي مرزوق العشوائي، ولكن الآن أغلب وزراء الإنقاذ في حي الراقي وكافوري.. والرياض بالمشتل.. وليس بينهم من يسكن أمبدة والصالحة.
والقضية ليست أن يشعر الوزير بمتاعب الناس وآلام المواطنين.. ولكن القضية أن تحث “سعاد الفاتح” من موقعها البرلماني الرفيع.. حكومة بلادنا بالسعي نحو إيقاف الحروب وإهدار الموارد في ما لا يبني جامعة.. ولا يوفر دولاراً، من أجل جرعة دواء الملاريا.. والتايفويد، ومهمة “سعاد الفاتح” أن تقف من الأمهات في محنة ليلهم الطويل ، وهن يخرجن من بزوغ ضوء الفجر يبحثن عن الرزق الحلال في الأسواق والمواقف العامة وبين العمارات السوامق.. يفترشن الأرض وتشوي أجسادهن نيران (المناقد) يصنعن الشاي، ويتعرضن للضرب ومصادرة أمتعتهن من قبل عسس المحليات ، من الرجال الشداد على النساء البائسات فقط.. أين موقف “سعاد الفاتح” كأم من الأطفال، الذين لا يجدون مقعداً للدراسة، ومن بنات في عمر ثمانية عشر عاماً يجلسن على الحجارة ويتخذنها مقاعد لهن في فصول مدارس قشية أو تحت ظلال الأشجار.. و”سعاد الفاتح” تستحق التكريم للخدمة الطويلة الممتازة، لكن التكريم الحقيقي ،أن يأتي من اتحاد المرأة وقطاعات الناس (العاديين).. ولكن يبدو أن المسافة بين “سعاد” وعامة الناس بعيدة جداً.