الطاهر ساتي

إنقلاب شجاع ..!!


:: قبل أسابيع، بمستشفى بحري، أطلق مرافق النار على المدير الطبي المناوب بمستشفى بحري وبعض كوادره الطبية عند إخطاره بوفاة مريضه، رحمه الله .. وما خفي أعظم.. ولذلك، ليس بمدهش أن يتم تحطيم أجهزة ومعدات مقدرة قيمتها ب ( 150.000 جنيه)، بمستشفى حاج الصافي بالخرطوم بحري بعد وفاة إمرأة بقسم النساء والتوليد ..مستشفى حاج الصافي تكاد تكون من أفضل المشافي العامة، وأفضل من بعض المشافي الخاصة .. ولكن – للأسف – هكذا العلاقة بين الطبيب والمرافق في بلادنا، أي كما العلاقة بين الطالب والحرس الجامعي، شد وجذب.. ثم إعتداء أو تحطيم بين الحين والآخر..!!
:: ومهما كانت الأسباب، ما لم يكن هو البادي بالإعتداء، لايُوجد إنسان على ظهر الأرض يستحق ( الإعتداء عليه)..حق الدفاع – فقط لاغير – هو شرط الإعتداء على الآخر، طبيباً كان أو غيره ..وما عدا هذا الحق المشروع، فالمحاكم هي الفيصل وكذلك المجلس الطبي ..ولكنها ثقافة الغابة ومناخها، لحد الدخول إلى المشافي بالأسلحة النارية والبيضاء أو تحطيم الأجهزة والمعدات ..ولو كان هذا المعتدي يعلم راتب طبيب المشافي العامة – و عدد ساعات عمله لسد العجز والتردى المسمى مجازاً ببيئة عمله – لما ذهب إليه بمريضه ( إشفاقا عليه)، وناهيك بأن يعتدي عليه أو يحطم أجهزته ..!!
:: ومع هذا، لن نغفل سوء الإدارة..نعم، بؤس الإدارة بالمشافي هو مدخل العنف وأهم أسباب الإعتداء على الأطباء و كوادر التمريض.. إذ غير تكدس العنابر بالمرافقين، يأتي المرافق بمريض في حالة طارئة، ولا يجد المُرشد الذي يجب أن يأخذ بيد المريض ويذهب به إلى الطبيب المناوب..وناهيك عن هذا المرشد الغائب – والمغيب – في كل مشافي البلد، بل كثيرا لا يجد المريض ومرافقه حتى الطبيب المناوب.. ومن هذه اللامبالاة والفشل الإداري، يبدأ غضب المرافق ويتصاعد لحد الإعتداءو التحطيم ..!!
:: قلتها أكثر من مرة، وليس هناك ما يمنع الإعادة، أزمة إدارة المشافي ذات جذور لا يمكن إستئصالها إلا بإنقلاب شجاع ..إدارة المشافي – وهي فرع من علوم الإدارة – صارت علماً يُدرس بالكليات والمعاهد العليا.. ويتخرج خريجها – بعد سنوات التعليم النظري والعملي – بكيفية إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع الفريق الطبي العامل بذات المرفق..ولكن هنا في السودان – والحمد لله على كل حال – يبدأ إستشاري أمراض القلب يومه : ( يا حماد إقفل باب الزوار)، ثم يواصل : ( يا حسين أكنس العنابر) و..و.. هكذا يغرق علماء الطب في بحر الأوامر الإدارية – طوال ساعات العمل – بصفاتهم الإدارية..!!
:: وبالتمادي في ترسيخ هذا (النهج المتخلف)، تكون أوجاع الناس والبلد قد فقدت نطاساً بارعاً في (عالم الطب)، وذلك بتحويله من (إختصاصي شاطر) إلى ( إداري فاشل)، لحد العجز عن حماية كوادره و أجهزته من حملات الإعتداء و التحطيم
..تواضعوا أيها الأطباء وإعترفوا بأن مشافينا كما تعاني من أزمة المال، تعاني أيضا من أزمة إدارة متخصصة تدير المشافي (كما يجب ).. وعندما تتحول عنابر المشافي – وردهاتها – إلى قرى وأسواق من كثافة الزحام، فلا نتوقع غير ( ثقافة الغابة )..!!