يوسف عبد المنان

التقييم والتجديد


قالت مصادر حكومية إن لجنة قد أسندت إليها مهمة تقديم مقترحات لهيكلة الجهاز التنفيذي، في إطار خطة خفض الإنفاق والمصروفات لتوفير الأموال لمجابهة الأوضاع الاقتصادية الراهنة.. وقبل عامين تم تشكيل لجنة بذات الصلاحيات والاختصاصات، وحينها كانت توقعات وسقوفات الأحلام قد عانقت السماء بعد خطاب الوثبة وإعلان الرئيس عن إصلاحات سياسية وتنفيذية في ثلاث جبهات، الدولة والحكومة والحزب.. وتضخمت صفحات كتاب إصلاح الدولة حتى بات عسيراً حمله في حقائب المسؤولين اليدوية.. والآن تبدأ الحكومة من حيث ابتدأت أمس وهي تقرر خفض الإنفاق وهيكلة الجهاز التنفيذي في الوقت الذي فتحت فيه الحكومة أبواب المشاركة لأحزاب بعدد الحصى، وحركات مسلحة منشقة عن حركات مسلحة بلغت في مجملها أكثر من (50) حركة.
كل هذا الجيش من السياسيين والعسكريين والمليشيات المسلحة وغير المسلحة ينتظر أن تمطر سحابات الحوار الوطني وزارات ومواقع دستورية تفيض على شاغليها نعيماً في الدنياً، وترفاً في العيش ومرقداً ناعماً وشراباً حلو المذاق.. فمن أين للحكومة بالوزارات والمؤسسات التي تستوعب كل الطامعين والمترقبين لحصاد ما زرعوا من خلال مؤتمر الحوار الوطني؟ قد يذهب بعض الحالمين غير الواقعيين بأن هؤلاء لم يعملوا من أجل السلطة تأسياً بشعار المؤتمر الوطني (لا لسلطة قد عملنا) وهو شعار إذا تم تجريده على أرض الواقع يصبح مجرد أنشودة ترددها الشفاه وتجافي المنطق.. فالأحزاب صغيرها وكبيرها، والحركات التي تحمل السلاح، تعمل جميعاً من أجل السلطة والجاه، في سبيل السلطة ترتكب أبشع الجرائم الأخلاقية.. وتسقط كل القيم.. لذلك الذين (تنادوا) من كل فج عميق لقاعة الصداقة ظاهر أسباب مجيئهم وباطنها هو مكاسب السلطة التي ترافقها الثروة أو ترادفها، وبذلك لن تستطيع الحكومة عملياً خفض عدد أعضائها وتسريح جيشها الكبير من وزراء ووزراء دولة.. بل العدد مرشح لزيادة معتبرة جداً حتى ينال “فضل السيد شعيب” وزارة.. وينال “عبود جابر” مثلها، ويمنح الشعبي حبة سلطة وهو الحزب الوحيد الذي له قواعد من بين كل أحزاب الحوار الوطني.. هل يستطيع المؤتمر الوطني التنازل عن أكثر من (45%) من المقاعد الوزارية؟ وإذا تنازل كيف له الحفاظ على نصيب دارفور في السلطة الذي وصل لـ(22%) ثم تمثيل الشرق وكردفان.. والجزيرة؟ ثم أهل (الجلد والرأس) الذين لن يتنازلوا عن المطايب و(الفلتّو) و(الفقرة) واللحمة التي تجاور العظم؟!
ولكن قبل أن يقرر المؤتمر الوطني خفض نسبة تمثيله في السلطة وإدخال آخرين لبيت الحكم!! ماذا عن الحكومة الحالية التي حشدت بشباب يفتقر إلى الخبرة ووجوه طغى عليها التنظيميون وأهل الفعل والطاعة، بينما تمادى أهل النظر في الانزواء بعيداً، واختار بعضهم صف المعارضة.. وآخرون صف المراقبة وفئة ثالثة أصابتها الحيرة والدهشة فاختارت التـأمل الصامت؟؟ والشباب الذين أسندت إليهم مناصب وزراء دولة في كل الوزارات لم يثبتوا حتى الآن قدراتهم باستثناء أسماء أقل من أصابع اليد الواحدة.. حتى الولاة الشباب الذين استبشرت بهم الجماهير خيراً فشلت تجارب أغلبهم وعاود الحنين البعض لولاة رحلوا عن السلطة واحتفظوا بسيرة عطرة.. هل اللجنة الجديدة ستمضي في ذات اتجاه التجديد، وتقليص عدد الحقائب لمجابهة الواقع الاقتصادي المتردي؟؟ أم تذهب لزيادة الحقائب لمجابهة استحقاقات الذين قدموا (سبت) الحوار الوطني في انتظار أن ينالوا (أحد) السلطة والوزارات؟!