جعفر عباس

الفياغرا التي احتاج اليها


هناك نوع جديد من الفياجرا في طريقها الى الأسواق، وأعلن بلا حياء أنني سأكون في طليعة زبائنها، واسمها العلمي هو اتش تي 0712، ويقوم بانتاجها مختبر كولد سبرنغ هاربر في نيويورك، ومنشأ قلة حيائي هو أنها تتعلق بتنشيط الذاكرة، تأخذ منها جرعات معينة وانت في الخمسين او السبعين فترجع ذاكرتك الى الوراء اكثر من ثلاثين سنة، وأخوكم يعاني من فقدان الذاكرة قصيرة الأمد (شورت تيرم ميموري)، أي أنني لا أتذكر اشياء تكون قد حدثت قبل دقائق، وقد أقول لشخص ما، صادقا، عندما يتصل بي هاتفيا اثناء انشغالي: ضع السماعة وسأتصل بك بعد قليل ثم أنسى أمره، ومشكلتي الكبرى هي: أين النظارة؟ فكلما اردت ان ابحث عن شيء صغير، فإنني أخلع نظارتي لأنني لا ارى بها الاشياء القريبة، ثم أقلب البيت فوق تحت بحثا عن النظارة، وبالطبع فإنني لا أنجح في العثور عليها لأنني لا استطيع ان أرى الأشياء جيدا بدون نظارة.. ويحدث نفس الشيء مع مفاتيح السيارة والمكتب،… أما ضعف الذاكرة الذي يسبب لي حرجا ما بعده حرج فهو اسماء الناس، فاسم اي انسان يدخل من أذني اليمنى ويخرج من أذني اليسرى خلال ثوان،.. الغريب في الأمر انني لا انسى الوجوه، إذا حادثت شخصا ما لخمس دقائق، انطبعت صورته في ذاكرتي، بل استطيع عند لقائه بعد سنوات من اللقاء الاول تذكُّر اين ومتى التقيت به،.. وبسبب هذا النوع من ضعف الذاكرة فإنني اتعرض للبهدلة والشرشحة فقد يكون مطلوبا مني ان احضر في طريق عودتي الى البيت بعض الخبز واللبن والتونا، وأدخل مجمعا استهلاكيا ضخما واشتري الملح والزيت والتفاح وحبال بلاستيك والفجل والحمص وسلطة الطحينة الجاهزة، وأدخل البيت وأنا مطمئن الى ان الاشياء التي اشتريتها عشوائيا تتضمن مطالب زوجتي،.. ولكن… البيوت أسرار!! وأقل ما اسمعه عند عودتي الى البيت: إيه رأيك نهدي حبل البلاستيك لمولودة زينب بدلا من سلسل ذهبي؟ وقد تعاطف عيالي معي وشرحوا لي كيفية استخدام الهاتف الجوال لتخزين الأمور التي أريد تذكرها في مواقيت معينة، ولكنني كثيرا ما أتحرك من مكان إلى لآخر بدون هاتف، وأحيانا يرن الموبايل في التوقيت المحدد فأنظر أو استمع للرسالة التذكيرية، وأتوجه الى سيارتي لأداء المهمة التي ذكرني بها الموبايل، فلا أجد المفاتتح وانشغل بالبحث عنها، فأنسى الموضوع الذي ذكرني به هاتفي الجوال.
دخلت ذات مرة صيدلية لشراء دواء للحموضة، ووقفت أمام الصيدلانية وأنا “خالي ذهن” ولسوء حظي لم يكن هناك زبون غيري، وشكت المسكينة في أمري، وبان الخوف على وجهها: ماذا يريد مني مهند السوداني هذا؟ فطلبت منها اسم كل دواء مر بخاطري، فاستراحت قليلا ووقالت وهي تمد لي مسكن الألم “بروفين” إنه يسبب الحموضة إذا تناولته على بطن فارغة، فصحت مثل طفل: أيوااااا أديني دواء للحموضة.
العقار الجديد الذي يتولى تنشيط جينة تحمل اسم كريب سيجعل العواجيز قادرين على تعلم لغات جديدة والتمييز بين إنصاف مدني وعلي كبك، ومن ثم أسماه منتجوه الفياغرا الذهنية… قف ورائي في الطابور لتحصل على حصتك منه! وحالتي أفضل من حالة محام سوداني حاذق، ولكنه من النوع الذي ينسى اسمه، وذات يوم وقف امام القاضي مترافعا في قضية ثم خرج، وبعدها نظر القاضي في العديد من القضايا، وفجأة لاحظ حاجب المحكمة ان جميع المتهمين والشهود كانوا يؤدون القسم وهم يضعون أيديهم على مفكرة عادية، واتضح ان المحامي أخذ معه المصحف الخاص بالمحكمة وترك مفكرته الشخصية العتيقة مكانه.
(من يعترف بضعف الذاكرة ويورد الدليل على ذلك سأشتري له فياغرا الذاكرة على حسابي)