نحن وحرب الأطفال
أول حملة تجنيد للأطفال سجلها التاريخ، كانت خلال الحملات الصليبية، منذ الحملة الصليبية الأولى عام 1099م، التي قادها أمراء وقادة عسكريون نجحوا في الاستيلاء على القدس، بعد أن دانت للمسلمين منذ العام 1683م، إذ عدّت الكنيسة اللاتينية أن ذلك يستوجب الحرب لأن بيت المقدس في معتقدها إرث من السيد المسيح يجب المحافظة عليهن والذود عنه، واستعادته من أيدي المسلمين.. وقد ألب قادة ومبشرون الشعوب الأوروبية للمشاركة العضوية والفعلية والمادية في كل الحملات الصليبية، واستجاب لهم حتى الصبية والأطفال، وأعلن صبي في الثانية عشرة من عمره عن أنه رسول الرب وكان ذلك في فرنسا عام 1212م، بينما قاد الصبية والأطفال في ألمانيا صبي في العاشرة من عمره اسمه “نيكولاس” لتحرير القدس.
بعض الحركات السودانية المسلحة تريد أن تجعل من تمردها على السلطة المركزية حرباً مقدسة تحشد لها الطاقات والعتاد، والرجال والأطفال، وتدفع بهم إلى أتون المعارك ليضحوا بحياتهم وصباهم من أجل بقاء كبار المحاربين والقادة في مواقعهم، ومن أجل أن يطول أمد تمتعهم بفوائد وعائدات تجارة الموت.
تجنيد الأطفال والدفع بهم إلى أتون الحرب وجحيمها أمر لا يقبله أحد، وهو أمر سبق أن فعلته وقامت به الحركة الشعبية لتحرير السودان، قبل أن تختطف جنوب السودان باسم الاستقلال– الانفصال– وأصبحت ذكريات تلك الحرب ذكريات محرقة للشباب والآمال معاً، وقد ورثت حركات التمرد الناشئة تحت مظلة الحركة الشعبية الأم ذلك المرفوض، خاصة في قطاع الشمال، وبعض حركات دارفور المسلحة.
خلال الفترة الماضية كنا نعجب للصمت الحكومي تجاه هذا السلوك اللا إنساني ونتساءل كيف للحكومة وأجهزتها أن تلوذ بالصمت وأطفال السودان يتم الدفع بهم إلى مهاوي الموت، بحيث يتم وأد أحلامهم في حياة سعيدة رغدة، وحيث يتم نحر أمنياتهم في التعليم والنمو الطبيعي لتنطفئ أعمارهم قبل أن تضيء!
والأمر لم يقف عند ذلك الحد، بل تعداه بتدمير المنازل والمدارس والمنشآت، بحيث لم يعد هناك مفر للعيش، سوى محاولات كسب ود هذه الحركات المسلحة، ولم يعد للأطفال من ملجأ أو منجى منها إلا الانضمام لها كرهاً وطوعاً، لكن أحداث الأسبوع الماضي أراحتنا كثيراً عندما دعا السودان ممثلاً في نائب رئيس بعثة السودان بأديس أبابا، السفير “الزين إبراهيم”، مجلس السلم والأمن الأفريقي لإدانة تجنيد المتمردين والحركات المسلحة للأطفال، وسعيها المستمر إلى تدمير المنشآت التي تأوي الأطفال في مناطق الحرب، خاصة المستشفيات والمدارس والبنيات الأساسية.
الأنباء التي جاءت من أديس أبابا أشارت إلى أن مجلس السلم والأمن الأفريقي ناقش في اجتماعه رقم (597) الأخير مدى حماية المنشآت التي تأوي الأطفال في ظل النزاعات بواسطة الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، مع التزام الدول الأفريقية بكل المواثيق الخاصة بحماية الطفولة وتطبيقها وضرورة احترامها.
لا بد لنا من أن نعمل على الضغط المستمر حتى تكف هذه الحركات المسلحة عن استهداف المنشآت العامة وإيقاف استخدامها كثكنات، والكف عن تجنيد الأطفال واستغلال ظرفهم الإنساني.. ولا بد من العمل على تفعيل قرارات “منظمة البحيرات” الخاصة بتصنيف تلك الحركات كحركات سالبة وأن يوضع مائة خط أحمر تحت تلك الحركات التي تستهدف تجنيد الأطفال والقصر واستغلال حاجتهم للطعام حتى أصبح شعارها “الغذاء من أجل الحرب”!