الطاهر ساتي

الجائزة مليار ..!!


:: مسابقة.. قبل أشهر، جاء دامعاً من ظلم وقع عليه من قبل سلطات الجمارك بود مدني، فناشدت السلطات، ثم أرشدته إلى وزارة العدل ليطلب إذن التقاضي، فالجمارك ليست معصومة عن الخطأ والمحاسبة بالقانون..فقدم الطلب لوزارة العدل، و إنتظر ما يُقارب نصف العام، ثم رد المحامي العام بوزارة العدل على الطلب – في منتصف إبريل الفائت – بأن يقاضي البرلمان، وليس الجمارك .. ما علاقة البرلمان بالقضية؟.. الله أعلم، ثم المحامي العام، أي ربما أنا والمتظلم لا نفهم ..!!
:: علي محمد علي، من أبناء الجزيرة آبا الذين طاب بهم المقام بأم درمان..كما السواد الأعظم من أبناء الشعب، نشأ حريصاً على الكسب الحلال.. وما بين دول الخليج وبلاده إمتهن التجارة، وجمع ما يكفي بأن يكون مشروعاً يبقيه ببلاده بدلاً عن التجوال، وخاصة أن الأبناء على أعتاب المراهقة التي تستدعي الرعاية والرقابة..اشترى لأسرته منزلاً فخيماً بأم درمان، ثم استأجر مصنعاً للطحنية بودمدني بحيث يكون الاستثمار المرتجى.. طابت حياته بالرزق الوفير، ونجح المصنع وأنتج لحد تضاعفت العمالة عاماً تلو الآخر.. !!
:: ولكن اليوم، لم يفقد علي مصنعه ومنزله فحسب، بل فقد أيضاً المستقبل الزاهي الذي ظل يرسمه لأولاده وبناته حين عجز عن تحمل تكاليف دراستهم، فأقعدهم بمنزل أصهاره.. تخرج الذين امتحنوا مع ابنه الأكبر الشهادة السودانية في جامعاتهم، بيد أن الابن قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى عالم الفاقد التعليمي، لعجز والده عن توفير رسوم الدراسة.. بتاريخ أغسطس 2007، وجهت الإدارة العامة للجمارك إدارة جمارك ود مدني بمصادرة سكر مصنع الطحنية الذي يستأجره علي، وكذلك وجهته بإصدار أمر صارم بإيقاف المصنع، وكل ذلك بتهمة (السكر مهرب)..!!
:: نعم للجمارك سلطة مصادرة السكر لحين صدور الحكم القضائي حول التهمة، ولكنها لا تملك سلطة إغلاق المصانع، ومع ذلك أغلقته.. ثم تم فتح البلاغ..وبعد جلسات الاستماع لكل أطراف القضية، والاطلاع على كل الوثائق والمستندات وفواتير الرسوم وغيرها، أصدرت المحكمة حكماً ببراءة علي ومصنعه وسكره من تلك التهمة.. فاستأنفت الجمارك الحكم، وهذا حق مشروع، ولكن لم ترفع الحظر غير القانوني عن المصنع.. ثم حكمت محكمة الاستئناف أيضاً ببراءة علي ومصنعه وسكره من تهمة التهريب.. فرفعت الجمارك القضية إلى المحكمة العليا ..!!
:: و المحكمة العليا أيضاً من الحقوق المشروعة، ولكن لم ترفع الجمارك الحظر غير القانوني عن المصنع..ثم حكمت المحكمة العليا أيضاً ببراءة علي ومصنعه وسكره من تلك التهمة.. وكذلك المراجعة..كل الأحكام القضائية برأت علي من تهمة تهريب السكر..ثم أدبت ملاحظة قانونية مفادها (إيقاف المصانع ليس من سلطات الجمارك).. ولكن طوال سنوات التقاضي في كل المراحل القضائية، ومقدارها خمس سنوات، ظل المصنع موقوفاً بأمر الجمارك.. وكذلك تم إيقاف كل حصص السكر المخصصة للمصنع بأمر الجمارك ذاتها.. !!
:: ولذلك، بجانب رسوم التقاضي وفواتير المرافعة، تكبد علي خسائر تلف مواد المصنع، وفقد أرباح تلك السنوات، وتحمل فواتير الإيجار وحقوق العمال وغيرها من الحقوق التي لا تراعي ظرف الإيقاف وعدم الإنتاج.. وعندما انتهت قضيته لصالحه، لم يخرج علي من سوق العمل فحسب، بل من منزله أيضاً بعد أن باعه لسداد بعض فواتير تلك الحقوق.. كل هذا الفقد لم يهزه، فقط الذي أبكاه في تلك الظهيرة بمكاتب الصحيفة هو عجزه عن إعاشة وتعليم الأبناء.. ولذلك، مع مناشدة السلطات برفع هذا الظلم عن كاهل هذا المواطن، كان الإقتراح بأن يخاطب وزارة العدل طالباً إذن مقاضاة الجمارك، وقد خاطب..وكان الرد المحامي العام بالوزارة بتاريخ منتصف إبريل بأن يقاضي البرلمان .. جائزة مقدارها مليار دولار لمن يعرف علاقة البرلمان بالقضية، ربما المحامي العام يعلم ..!!