د. عارف عوض الركابي : كيف نستفيد من شهر رمضان؟!
ونحن في استقبال شهر الصيام والقيام شهر رمضان من المهم جداً أن يتوجه كل مسلمة ومسلمة إلى نفسه بالسؤال التالي: كيف أكون من المستفيدين من شهر رمضان؟! وكيف أكون من الموفقين في شهر الصيام؟! من المهم في ذلك أن يدعو المسلم ربه عز وجل بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر من قول: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ثم ليعزم الموفَّق على الاجتهاد في الطاعات بنوعيها المفترض والمستحب، ويأخذ بالأسباب الشرعية مما يكون فيه له العون بعد الله تعالى. أما الأجر والثواب والقبول فلا أحد يعلم ذلك ولا يجزم به، فأمر القبول لله وحده سبحانه وتعالى فهو «أعلم بمن اتقى» و«إنما يتقبل الله من المتقين» والمسلم يرجو ويحسن الظن بربه، ويدعو ولا يزال يدعو أن يوفقه الله للعمل الصالح وأن يتقبل الله منه، وإذا كان إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام يرفعان القواعد من البيت وهما يدعوان الله تعالى ويناديان ربهما: «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم»، فكيف بغيرهما؟! فلا تزال قلوب المؤمنين ترجف خشية أن يكون عملهم لم يتقبل منهم، فيكثرون ويلحّون على الله تعالى بالدعاء أن يتقبل الصيام والقيام والأعمال الصالحة.. فليؤمل المؤمن خيراً فإن الله تعالى الكريم لا يضيع أجر المحسنين، بل يضاعف لهم أضعافاً مضاعفة. وأما الفوائد الأخرى فينبغي أن يدرك المسلم والمسلمة أن شهر رمضان مدرسة يتخرج فيها الصائمون وقد تدربوا على دروس إيمانية عظيمة، ليواصلوا مسيرتهم بعد شهر رمضان في ما تدربوا عليه، ومن أعظم تلك الدروس: «الصبر» فمن أهم ما يحققه الصائمون التعوّد على الصبر وذلك يظهر في ترك الطعام والشراب والإمساك في حر شديد مع أعمال متواصلة ودراسة وغير ذلك، ويتضح لكل صائم وصائمة أن باستطاعتهم الصبر على ترك الطعام وأنفسهم تشتهيه وترك الشراب وهم بأمس الحاجة إليه، فيستفيد الصائم من صومه أن يستمر على ذلك الصبر في طاعة الله تعالى بالصبر عليها وإن شقت عليه، وعليه بالصبر عن المعاصي والمحرمات بتركها وإن كانت نفسه تهواها.. فهذا التدريب على الصبر وممارسة المسلم له في نهار رمضان، وصبره على صلاة القيام ومداومة قراءة القرآن، وصبره عن اللغو والكذب والظلم وقول الزور والغيبة ومنكرات الأقوال والأعمال هذا وغيره حجة على كل مسلم ومسلمة بأنهم لهم من الإرادة والقوة وحبس النفس على الطاعات وترك المنكرات.. فيواصلون هذا السير إلى الله تعالى بعد شهر رمضان.. وهل يصل المسلم إلى مبتغاه ويحقق رضى الله تعالى إلا بحمل النفس وتعويدها طاعة الله تعالى والاستجابة لأمره وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وترك ما حرم الله ورسوله؟! لقد قال الله تعالى: «فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى».. هكذا ينقسم الناس إلى من صبر وحبس نفسه ونهاها عن هواها وبين من اتبع شهوات نفسه ولبّى لنفسه الأمارة بالسوء رغباتها.. إن من أعظم دروس شهرنا الذي استقبلناه قبل أمس: الصبر، وهنيئاً لكل مسلم يفيد من هذا الدرس العظيم وبشرى له بالعاقبة الحميدة «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» «إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب».. والصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله بالاستقامة عليها، وصبر عن معصية الله بالبعد عنها، وصبر على أقدار الله تعالى.. كثير من الناس يعلمون الحلال والحرام، والواجب والمندوب والمكروه والمحرم وما يغضب الله وما يرضيه، لكنهم يفرّطون في طاعة الله تعالى ويتكاسلون عنها وينغمسون في الشهوات المحرّمة والموبقات المضلة بسبب جهلهم وقلة أو عدم صبرهم ، فيتبعون أهواءهم «فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله».. فلتسأل نفسك أيها الصائم: كيف لك أن تخرج بأكبر فائدة من دروس رمضان في التربية والتدريب على «الصبر» هل ستفيد أم أنك ستخرج من هذه الدروس ولا تزال تقع في المحرمات وتصر عليها بعد رمضان؟! فإن غير المستفيدين من الشهر هم من يتقترفون السيئات ويتساهلون في الصلوات والفرائض المتحتمات بعد رمضان، وأنت أعلم بنفسك وقد علمت طريق الهداية وسبل الغواية.. فالزم نفسك تقواها.. ومن دروس شهر رمضان أن المسلم يتربّى على الوقوف عند حدود الله، فهو يمسك في وقت محدد ويفطر في وقت محدد، والصائم يسأل عن حكم استعمال القطرة والبخاخ للتنفس وسحب الدم والشرب ناسياً وغير ذلك، ويجتهد أن لا يبقى في فمه قطرة ماء بعد وضوئه أو مضمضته.. وغير ذلك.. يا ترى لماذا تقيّد بذلك؟ّ! لأنه علم أن صومه لن يقبل إلا بأن يكون موافقاً للشرع وأن الشرع قد حدّ حدوداً.. فوقف عندها وامتثل قول الله تعالى: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».. فيجب أن يتتدرّب المسلم على ذلك ويربّى نفسه على الوقوف عند حدود الله في شهر رمضان فيجب أن يدرك أن دين الله تعالى وما شرعه لعباده في الإيمان والتوحيد والعبادات المفروضات والمستحبات والمعاملات وما شرع في ما أحل وما حرّم كله «حدود لله» يجب عليه أن يقف عندها، فمن حدّ هذه الحدود في شهر رمضان هو الرب المعبود الذي أراد أن يعبده عباده وخلقه في رمضان وفي غير رمضان، وشرع لهم صيام رمضان ليكون لهم بعد الله زاداً وموضعاً يتقوى به إيمانهم ليواصلوا سيرهم إلى الله تعالى حتى يلقوا ربهم «ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون».. يجب على كل صائم وصائمة ونحن في بداية شهر رمضان أن يعددا الدروس التي يجب أن يخرجا بها من شهر الصيام والقرآن والعتق من النيران.. وأن يجتهدوا في تحقيقها، «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».