طريق متدحرج ذلك الذي تسير فيه العلاقات السودانية المصرية ما بين الصعود والهبوط رغم درجات التقارب الشديد التي تجمع بين البلدين، ورغم العبارات المعسولة التي تندلق كلما تقابل وفدان عاليا المستوى من قبلهم إلا أن ثمة صخورا تبدو صغيرة تعرقل السير لبلوغ الهدف الأسمى، وهو الوصول إلى درجة التكامل الفعلي وليس الاسمي.
وفي كل فترة يظهر من الأسباب السياسية والاقتصادية ما يقف حجر عثرة بين الخرطوم والقاهرة ويتناوش الإعلامان في كل منهما إلى أن تبلغ المشكلة مرحلة الأزمة، وبالطبع لن تكون حلايب وشلاتين السبب الأساسي في توتر العلاقات فبعض الأسباب الأخرى تحمل مسؤولية هذا التوتر.
في الأسبوع الماضي اندلعت أزمة من نوع آخر بعد أن جأرت شعبة صناعة السيراميك باتحاد الصناعات المصري بالشكوى بعد أن قالت إن الجمارك السودانية تتعنت مع البضائع المصرية التي تدخل في إطار اتفاقية الكوميسا وهي الإعفاء الضريبي للسلع في دول شرق ووسط وشمال أفريقيا علاوة على اتفاقية أخرى هي اتفاقية التسيير العربي وتطالب الجانب السوداني بالالتزام بتطبيق الاتفاقيات التجارية مع الجانب المصري.
ويشرح شريف عفيفي رئيس شعبة السيراميك باتحاد الصناعات أن القطاع الخاص في السودان وفي مصر متضرران في ظل عدم وجود أي مبررات منطقية من الجمارك السودانية وهو الأمر الذي جعل شعبة صناعة السيراميك تتقدم بشكوى عاجلة لجامعة الدول العربية وسكرتير عام الكوميسا بحجة تكدس البضائع المصرية على الحدود السودانية وهو الأمر الذي دعا عفيفي إلى التدخل الرسمي العاجل لدعم قضية الصادرات المصرية ووقف الخسائر التي تتكبدها رغم التزامها بالقوانين والقواعد المنظمة للتجارة.
أزمة السيراميك التي اندلعت قد يكون لها ما يبررها؛ ففي اغسطس في العام 2014 تعثرت مفاوضات اللجنة التجارية والصناعية المصرية السودانية المشتركة التي انعقدت بالخرطوم آنذاك ومرت بمراحل متعثرة في الاتفاق حول بنود لجنة التجارة، وكان السبب الرئيس أن الجانب المصري أكد على أهمية الاستفادة من اتفاقية الكوميسا في جميع السلع الواردة إلى السودان غير أن الجانب السوداني رفض ضم قائمة السلع السالبة إلى قائمة السلع المعفاة من الجمارك بحسب اتفاقية الكوميسا، وتضم السلع السالبة كالحلويات وأدوات الزينة والأدوات المنزلية، وهو أمر أدى إلى عدم التوقيع على المحضر النهائي للاجتماعات، ففي حين تلح الخرطوم على خروج القائمة السالبة من الإعفاءات الجمركية تصر القاهرة على إدخالها مما يكشف أن للأزمة جذورا قديمة خاصة وأن السيراميك إحدى سلع القائمة السالبة، وهي السلع التي تعتمد عليها موازنة الخرطوم في الإيرادات الجمركية بتحصيل قيمة أعلى من السلع العادية ويبدو أن الحاح الخرطوم له ما يبرره في ظل إجراءات قالت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي إنها تعتزم تطبيقها بغرض الوصول إلى سعر صرف مستقر خلال الفترة القادمة وواحد من هذه الإجراءات هو التركيز على سلع القائمة السالبة في الجمارك وهو أمر يمنع أن تكون أي من هذه السلع خارج إطار التعرفة الجمركية.
وفيما يؤكد مسعد النجار الملحق الاقتصادي بسفارة مصر في الخرطوم أن الأخيرة كانت تستقبل شحنات السيراميك في السابق وأبدى النجار في حديثه مع (اليوم التالي) استغرابه من عدم دخول الشحنات الأخيرة من السلعة في ظل اتفاقية الكوميسا وعبر الإعفاء الجمركي المبرم بين الدول الموقعة على هذه الاتفاقية وقد يكون ذلك هو الأمر الذي رفع من حساسية الأمر لدى الجانب المصري في ظل السماح لشحنات سابقة من السلعة بالدخول وتوقف هذه الشحنة مما أعطى انطباعا سالبا عن الجانب السوداني بعدم الالتزام بالاتفاقيات.
خلافا لكل ما ذكر فإن السفير صلاح محمد الحسن وزير التجارة الخارجية برر احتجاز شحنة السيراميك بالتحري من شهادة المنشأ والتأكد منها وقال إنه في الفترة الأخيرة دخلت كميات هائلة من السيراميك المصري مما يتطلب التروي والحذر في تفتيش شهادة المنشأة في ظل وجود شكوك بأن هذه الشحنات ليست جميعها مصنعة في مصر وقال الحسن لـ(اليوم التالي) إن السودان غير رافض لدخول شحنات السيراميك وكل ما يتطلبه المزيد من الوقت والتروي لبحث شهادات المنشأ في ظل أن السودان يعتمد على الإيرادات الجمركية بصورة كبيرة مما يتطلب أن يكون حذرا تجاه البضائع التي تدخل عبر الاتفاقيات الصفرية سواء أكانت من الكوميسا أو من غيرها من الاتفاقيات وسط اعتراضاته بأن تقوم شعبة في اتحاد الصناعات بتقديم شكوى حيث أوضح أن العرف السائد لا يسمح للأفراد أو الشركات بتقديم الشكاوي للتكتلات الإقليمية وإنما هي مهمة الدول وأجهزتها الرسمية..
وكشف الحسن عن وجود لجنة بوزارة التجارة لوضع ضوابط السلع التي يجب أن تدخل عبر الاتفاقيات والتكتلات الإقليمية والتحقق من شهادة المنشأ.. وعن القائمة السالبة أعلن عن أن هنالك اتفاقا مع الجانب المصري على إيجاد فترة سماح للسلع داخل إطار القائمة ويفوق عددها الأربعين سلعة بالدخول من مصر حتى العام 2020 وأشار إلى أن البرنامج الخماسي الذي تعمل الخرطوم على تطبيقه منح هذا الاستثناء لدولة مصر عبر لجنة من الجانبين السوداني والمصري.
الخرطوم – نازك شمام
صحيفة اليوم التالي
