عبد الجليل سليمان

القضارف.. تدهور التعليم وعجزه


كنتُ أفكر أن أستعرض اليوم من هذه الزاوية، بعض أقوال عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق في حواره مع قناة الخضراء المنثور في صحيفة المجهر، إلاّ أنني صرفت النظر عن ذلك، كونه لم يقل أكثر مما ناقشته في مساحة الأحد المنصرم، لكنني لا زلت أحلم بالعودة إلى الحوار مع الرجل إذا ما أتى بجديد.
أما جديد اليوم، فمتعلقٌ بنتيجة امتحانات الشهادة الثانوية لهذا العام، وهي نتيجة مميزة، لجهة أنها أعادت التنافس (لو في حده الأدنى) بين مدارس العاصمة الخرطوم ومدارس الولايات القريبة مِنها والبعيدة عنها – عدا ولاية القضارف.
هذه العودة التي عنونتها يوميتنا هذه في تقرير الزين عثمان بـ (محاولة الانتصار على مركزية النجاح)، جاءت بكل الأطراف البعيدة من كسلا، دارفور، والنيل الأزرق والبحر الأحمر والشمالية، وجل الأطراف القريبة كالجزيرة وسنار والنيل إلى قائمة المائة الأوائل، فيما عجزت ولاية القضارف المنكوبة بأبنائها حتى عن تقديم طالب واحد إلى قائمة الشرف، ليس ذلك فحسب، بل عجزت حتى عن تقديم مدرسة واحدة ضمن المدارس المتفوقة.
بطبيعة الحال، لا ينكر إلا مكابر وصاحب غرض، أن ذلك يعدُّ فشلًا ذريعًا، يستوجب المحاسبة والمساءلة ومن ثم التقويم والسير في الاتجاه الصحيح، لكن من يحاسب في تلك الولاية المغضوب عليها؟ ولاية تشهد تراجعًا مُخيفًا في المجالات كافة حتى أضحت كالحة، مالحة، حامضة، ومملة.
ولأن القضارف تعدُّ الولاية الأكثر إنتاجًا في المجال الزراعي على مستوى البلاد، فإن من المحزن أن ينعكس ذلك على حياة مواطنيها، فلا يزال قطاعًا كبيرًا منهم يعاني العطش والبطالة ورداءة الخدمات الصحية والتعليمية، ولا تزال الأسواق قفرًا يبابًا والثقافة والترفيه سرابًا، فيما يتشاكس أبناؤها الإسلامويون الممسكون بزمام أمرها فيما بينهم بأمر المصالح الشخصية الضيقة. أي أناس ضيقو الأفق رمت بهم الأقدار في طريقك يا قضارف، كيف يتدهور التعليم إلى الحد الفظيع وقد كنت قبل ذلك تضخين للجامعات والمعاهد العليا بما تقدر عليه المدن الأخرى، وهأنت الآن تقبعين في المؤخرة مشلولة وعاجزة عن الفعل.
والحال، إن تردي التعليم في الولاية ليس أمرًا جديدًا، فقد تناولنا طيفًا منه قبلئذِ، فهاج وماج وتقرفص وتمدد المسؤولون هناك، واحتجوا ونافحوا ودافعوا عن الباطل، فقلنا ننتظرهم حتى يظهر (المستخبي)، وها قد ظهر الآن في نتيجة امتحانات الشهادة، فجاءت نيرتتي وأزوم ودونتاي ودروبا، وهذه مناطق ذكية وأهلها أذكياء وتستحق أكثر من ذلك، وإنما أتينا بها للمقارنة لأن ما يتوفر في القضارف من إمكانيات لا يتوفر فيها، لكن بفضل ذكاء أهلها واهتمامهم وحبهم وولائهم لبلداتهم القصية تلك، صعدوا إلى مراق عالية فيما لا تزال ولاية القضارف تتسفل وتنحدر.
الآن، ماذا تقول وزارة التربية والتعليم هناك؟ ما هي المبررات التي ستدفع بها إلى الرأي العام هناك؟ كيف سيقوى لسانها على الانطلاق ليبرر ما حدث؟ أقول قولي وأدعوا والي الولاية إلى ضرورة إحداث تغييرات جذرية في وزارة التربية والتعليم هناك وإلا فالقادم أسوأ.