الإنترنت والاستعلاء (1)
بصراحة، فكرت أكثر من مرة خلال العقد الأخير من القرن الماضي في التوقف عن الكتابة في الصحف العربية، بعد أن أحسست بأنني هاي ومتميز ومتحضر، والسبب في هذا الاستعلاء «العرقي» هو أنني انضممت إلى قبيلة تحمل اسم «المتإنترنتون» وهي لم تكن من جنس قبائلكم التي تتفاخرون بأنها تتحارب نصف قرن من أجل ناقة، بل قبيلة عصرية ومتفتحة رغم أن هناك من قال عنها إنها «شبكة» للمخدرات والدعارة، وقالوا على وجه التحديد إنها تهدف إلى تلميع مايكل جاكسون على حساب شعبولا.. ومادونا على حساب فيفي عبده. طبعا سيقول معظمكم: كلنا نتعامل مع الإنترنت! لا يا بعد عمري فأنت تستهلك ما هو موجود في الإنترنت ولكنني اكتشفت أنني منتشر وبائيا في الإنترنت: في فيسبوك وويكيبيديا وإنستغرام وتويتر ولينكدن بل إن جوجل صديقي الشخصي.
وعثرت في أحد مواقع إنترنت على معلومة تفيد بأن هناك راقصة إسرائيلية تحمل اسم «فيفي» ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أنها ستنجح في النيل من «فيفينا» التي تخصنا، والتي تمثل أهم ركائزنا الثقافية، وهناك غزو أجنبي كاسح لساحات الرقص الشرقي، والنساء الروسيات بالذات اقتحمن هذا المجال بأفخاذهن «العجّالي» ما يسحب البساط والنقوط من تحت أقدام راقصاتنا.. وبدلاً من أن نتصدى لهذا الغزو، عمدنا إلى إلقاء اللوم على الإنترنت.. وما هو أدهى من ذلك أن راقصاتنا سبق لهن أن انجررن إلى فتنة أهلية بإثارة ضجة حول قيام الراقصة بحر العلوم دينا بأداء فاصل راقص وهي ترتدي ملابس الاستحمام. يا جماعة لماذا هذا التحجر والتخلف؟ ولماذا تحاربون الإبداع والابتكار والتجديد؟ لماذا تُحارب دينا الواعدة الصاعدة؟ فإذا نجحت فيفي عبده في الرقص في مهرجان كان السينمائي يوما ما، فليس بعيدًا أن تحقق أمتنا انتصارًا آخر على «رجلي» دينا فيتم استدعاؤها للرقص في مهرجان جوائز «الكنكان».
على كل حال صاحبكم انتمى إلى المتإنترنتين الذين قبلوا به رغم أن انتماءه إلى القرن الحادي والعشرين مشكوك فيه. لأنني بوجه عام سيئ الظن بالتكنولوجيا والأجهزة والمعدات الإلكترونية، وقبل بضع سنوات وضعت كمية من البيض في إناء مملوء بالماء، ووضعت الإناء في فرن الميكروويف، وبعد دقائق قليلة هز بيتنا انفجار عنيف وانتشر صفار البيض برائحته الزكية في كل ركن واستشهد الفرن المسكين، ونجوت من الموت والإصابة الجسيمة لأنّ زجاج الفرن تطاير كما محتويات براميل فشار الأسد على أهل حلب، فذهبت به إلى ورشة المحل الذي اشتريته منه لإصلاحه، فنظروا إلى في شك وارتياب وأظن أنهم اعتقدوا أنني استخدمت الفرن بعد تفخيخه في عملية إرهابية، وبسبب رائحة البيض التي تغلغلت في مسام الفرن فقد حسبوا أنني إرهابي عبقري نجح في توظيف البيض كمتفجرات.
ما علينا، فبرغم جهلي الفاضح بأساليب التعامل مع الكمبيوتر نجحت منذ سنوات في إدخال خدمات إنترنت إلى بيتنا، وكان أول المكاسب من وراء ذلك أن وزني انخفض بنحو ستة كيلوغرامات في أسبوع واحد، ما يؤكد أن إنترنت مفيد للصحة، بعكس ما تروج له وسائل الإعلام العربية، فتعاطي الإنترنت يتطلب تفرغًا كاملاً، والتفرغ الكامل يؤدي إلى الإدمان بحيث ينسى المتإنترنت الطعام والشراب، ويظل يبحر في عباب محيط متلاطم الأمواج من دون أن يحس بالدوار، أما إذا نجح المرء في استدراج الزوجة إلى شبكة العنكبوت الإنترنتية فسينعم بالسعادة الزوجية الحقيقية لأنه متى ما سقطت الزوجة في خيوط العنكبوت فلن يهمها في كثير أو قليل متى خرج الزوج، ومتى سيعود، أو ما إذا خرج ولم يعد اطلاقًا.
خلاصة القول هي أن الله قيض لي طفرة حضارية وثقافية أعانتني على الانعتاق من مناخات العالم العربي، وصحف الجعجعة حتى لا تقع عيني مرة أخرى على عبارات سخيفة: القضايا المصيرية.. وحتمية الوحدة.. و.. صح يا رجااال!!