قنبلة «رفيق»
عندما قدمت إلى منطقة الخليج لأول مرة أدهشني استخدام كلمة «رفيق» للمناداة على أشخاص ذوي ملامح آسيوية. توجست خيفة لأنني كنت قبلها مقيماً في بريطانيا لبعض الوقت، وذات يوم ارتكبت خطأ فادحا: اشتريت صحيفة «العامل الاشتراكي» Socialist Worker التي يصدرها التروتسكيون. وكان ذلك في ضاحية كامدن تاون حيث كنت أقيم ومن يومها أصبح بائع تلك الصحيفة يحييني بكلمة «كومريد» أي «رفيق»، وشيئاً فشيئا أصبح نحو أربعة شبان من المقيمين في تلك المنطقة يحيونني بنفس تلك الكلمة.
ودّعت الصحيفة الثورية، وأصبحت أبحث عن صحيفة أخرى على أمل أن أجد فيها تغطية أفضل للأحداث في العالم، وذات يوم وجدت صحيفة News of the World أي «أخبار العالم» وخطفتها من البائع وركبت القطار وبدأت في تقليب صفحاتها.. ما هذا؟.. نساء عاريات.. نهود.. أفخاذ.. وأخبار عجيبة عن مزارع اغتصب بقرة وكلب أدمن الحشيش.. ورضيع قتل أمه بالسحر الأسود. ما صلة هذا بالعالم؟ وأي عالم تنتمي إليه تلك الصحيفة؟ (تم إغلاق تلك الصحيفة التافهة نهائيا بعد إدانتها بالتجسس على الهواتف وسرقة «خصوصيات» الناس)
اشتقت عندها للرفاق التروتسكيين، ولم يخيّب القدر أملي! بعد أشهر قليلة من مغادرتي لندن توجهت إلى دولة عربية نفطية (فيما يتعلق بالمال أتحول إلى قومي عربي متطرف وأتنازل عن انتمائي النوبي. إنها انتهازية تنشأ عن ازدواجية الولاء العرقي)! المهم استضافوني في فندق ركيك وكان جميع العاملين من الآسيويين، وشد انتباهي استخدام كلمة «رفيق» لنداء بعض أولئك الآسيويين! هل أصبح التروتسكيون والشيوعيون أقوياء بالدرجة التي مكّنتهم من إنشاء خلايا عديدة في دول الخليج التي ترى في الشيوعية خطراً أكبر من المخدرات؟ ولكن ما حيرني هو أن تلك التحية الرفاقية كانت مصحوبة بشيء من التهكم والتعالي: «رفيق أنت ما في مخ؟» كيف يوجه سؤال جارح إلى شخص هضم الديالكتيك والفلسفة المادية؟
بعد أيام قليلة عرفت أن رفيق هذه هي مرادف زول وزلمة وراجل ورجّال وأن الهندي على وجه خاص يُنادى بـ «رفيق».. وتعجّبت لجعل الهندي رفيقا، وكيف أن الواحد منا ينفي الغباء عن نفسه بعبارة «فاكرني أو تحسبني هندي؟»، أما إذا كانت الحكاية لا تصدق فإنها توصف بأنها «فيلم هندي». قليلاً من الأدب والحياء يا أمة من المحيط إلى الخليج، فذلك «الرفيق» أصبح عضواً في النادي الذري وكان قبلها قد أصبح رائداً في دنيا الكمبيوتر عندما تحولت مدينة حيدر أباد إلى أكبر مركز لتصنيع الكمبيوتر والبرامج التطبيقية خارج سيليكون فالي، وكانوا منذ عقود طويلة سادة العالم في مجال البحوث الزراعية والتصنيع الزراعي.
مليار نسمة يعبدون الله والأبقار والأصنام ويتحدثون بألف لسان ومع ذلك لم تعرف بلادهم الانقلابات العسكرية والزعامات المزمنة التي تجلس على الكراسي حتى تصاب الكراسي بالبواسير.. والهند النووية هي ذاتها عند غاندي ونهرو وإنديرا، تلك النماذج الرائعة للتحرر الوطني فعلام البكاء لأنها أصبحت ذات أنياب نووية؟.. هي ذات الهند التي كانت سندنا وحليفنا لعقود طويلة دون أن تجني وراء ذلك شيئاً
كفانا بلاهة وأحلام يقظة حول «قنبلة ذرية إسلامية»، لأنّ الهند صارت دولة نووية! هل تعتقدون أن دولة عربية كانت أو إسلامية ستستخدم المنجنيق (ولا أقول القنبلة النووية) ضد إسرائيل؟ ثم أن ذلك النوع من القنابل يحتاج إلى بنية أساسية تتمثل في تبني النهج الديمقراطي والمنهج العلمي واحترام الذات والآخرين وتحديد الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية و.. الاستقلال الحقيقي. يعني بالعربي الفصيح القنبلة الذرية لا يمكن أن يحوزها من يعيشون عالة على الغير في كل شيء، فصفقوا للهند ولا تلعنوها إلا إذا لعنتم واشنطن وموسكو وباريس وبكين ولندن (إياكم أن تلعنوا إسرائيل في الظروف الراهنة لأنّ ذلك يتعارض مع اتفاقية أوسلو!).