يوسف عبد المنان

صفاء “الدوحة”


نجحت الدبلوماسية الرئاسية في عودة الصفا بين الخرطوم والدوحة وشكلت زيارة الرئيس “عمر البشير” للعاصمة القطرية محطة جديدة في مسارات العلاقة التي انتابها بعض الفتور في الفترة السابقة بسبب التناقضات العربية، العربية والتقاطعات الخليجية إلا أن المبعوث الرئاسي الفريق “طه عثمان الحسين” من خلال دوره الذي ينشط فيه بتجسير العلاقة بين القيادة العليا في الدولة والقادة العرب نجح في عودة قطار العلاقة لمساره الطبيعي.. ووعد أمير قطر بزيارة للخرطوم وولايات دارفور في الشهر القادم بمناسبة انقضاء الفترة الانتقالية للإقليم الذي ساهمت قطر بدعم مالي كبير جداً في تنمية ومسح دموع الثكالى وتضميد جراح المصابين من خلال مشروعات القرى النموذجية التي شيدتها الدوحة بكلفة مالية لم تدفعها دولة عربية للسودان منذ استقلاله وحتى اليوم.. عطفاً على السند والدعم السياسي الذي وجدته الخرطوم من القطريين أيام محنتها من الجنائية إلى اتهامها بالإرهاب.. والتدفقات المالية التي جاءت بها القيادة القطرية للسودان بعد انفصال الجنوب وتدهور الاقتصاد، وحسنات دولة قطر لا يمكن إحصاؤها ولا نكرانها.. لذلك كان الرئيس “البشير” حريصاً على ابتعاث مدير مكتبه وكاتم أسراره الفريق “طه عثمان” لإنجاز المهام الخاصة والصعبة ولم يخيِّب الرجل ظن “البشير” وها هي قطر تعود مرة أخرى داعماً لملف السلام والمفاوضات مع المتمردين من حاملي السلاح في المنطقتين ودارفور.. وجاء إعلان الرئيس بوقف إطلاق النار لمدة (4) أشهر غداة عودته من الدوحة مما يرجح أن تكون الدوحة هي المحفِّز والمحرِّض على هذه الخطوة.. لأن ملف التفاوض والتسوية قد (تحرك) بصورة مفاجئة جداً خلال الأيام الماضية بدعوة المبعوث الأمريكي لقادة الحركات المتمردة لاجتماعات أديس أبابا للضغط عليهم بشدة من أجل القبول بالتسوية والتوقيع على اتفاق خارطة الطريق.. بل تواترت معلومات من الدوحة وأديس أبابا وواشنطون عن مشاركة مرتقبة في جمعية الحوار الوطني القومية في الأسبوع الأول من أغسطس القادم لقادة الحركات المسلحة الكبار مثل: “مناوي” و”جبريل” و”مالك عقار” إضافة للإمام “الصادق المهدي” الذي ربما استبق هؤلاء بالعودة للخرطوم في غضون ما تبقى من أيام شهر رمضان.

وتعتبر الدوحة الدولة العربية الأكثر تأثيراً على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة من بقية بلدان الخليج نظراً لاستراتيجياتها الخارجية التي اتبعتها بعد حرب الخليج، الشيء الذي جعل قطر في موضع الريادة المتقدمة وهي حليف إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وكانت “الدوحة” بعيدة نسبياً عن ملف المنطقتين الذي اقتضت موازنات القوى الدولية أن يبقى تحت عيون ورعاية دولة إثيوبيا إلا أن عجز المبادرة الأفريقية لوحدها عن تحقيق تقدم جعل أطرافاً عديدة تدخل في مضمار اللعبة ومن بينها قطر.

وإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد يعتبر بادرة حسن نوايا من الحكومة السودانية.. ينتظر أن تقابله الحركة الشعبية بصفة خاصة ببادرة مماثلة بوقف إطلاق نار من جانبها.. لتدخل الأطراف في إجراءات عملية لتطبيق أسس وقواعد وقف إطلاق النار المتفق عليها عالمياً وفق تقاليد معروفة.. ولن يتحقق ذلك إلا بتقدم في المسار السياسي الذي أصبح وحيداً من خلال مسار الحوار الوطني الذي يقوده الرئيس بنفسه وعازماً على توحيد الجبهة الداخلية ووقف الحرب بإرادة السودانيين أولاً ومساندة ودعم إقليمي ودولي على غرار الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة والقطريين.