انتقادات لاعتقال 17 شاباً يمارسون عادة “التسمين” جنوب السودان
أثار اعتقال 17 شاباً من ولاية قوقريال في دولة جنوب السودان بتهمة ممارسة عادة “التسمين” موجة من الانتقادات في الأوساط الجنوبية، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمطالبة سلطات الولاية بإطلاق سراح المعتقلين، والكف عن محاربة العادات والتقاليد والثقافة المجتمعية إدارياً وقانونياً.
و”التسمين” طقس مجتمعي حصري بعشائر محددة في قبيلة الدينكا، والتي تمثل أهم وأكبر القبائل في دولة جنوب السودان، ويمثل الشباب العامل الأساسي للعادة، والذين يتم اختيارهم بعناية من عمر 40 إلى 45 عاما.
وتنطلق المنافسة في بداية موسم الخريف وحتى منتصفه، وتستمر لمدة شهرين فقط. ويعمد المتسابقون للخروج بنحو 5 إلى 15 بقرة من القرية، حيث تقام معسكرات تحتضنهم أفراداً أو مجموعات، ليقضوا طيلة تلك الفترة في شرب “حليب” البقر كغذاء أساسي ووحيد.
ويمنع المتنافسون من القيام بأي مجهود، ويخلدون للراحة التامة، ويخصص أشخاص لرعاية تلك الأبقار. ويخفى المتنافسون في العادة عن عيون المارة، لكي يصبح اكتشاف وزنهم مفاجأة. وبانتهاء المدة يستقبل المتسابقون بـالأهازيج والأغاني، لتبدأ عملية قياس الأوزان وتحديد صاحب الوزن الأكبر.
ووجدت ولاية قوقريال وولايات جنوبية أخرى في عادة التسمين تشجيعا للكسل، باعتبار أن الشباب يقضون 60 يوماً في حال خمول تام، ما قاد بعض الولايات لإعلان حظر تلك العادة والتلويح بسيف العقوبات لكل من يمارسها.
”
“التسمين” طقس مجتمعي حصري بعشائر محددة في قبيلة الدينكا، والتي تمثل أهم وأكبر القبائل في دولة جنوب السودان
”
وأكد حاكم ولاية قوقريال قوم مكواج في تصريحات الأسبوع الماضي أن السلطات في ولايته قبضت نحو 17 شخصاً يمارسون عادة التسمين، وتمكن آخرون من الهرب. في حين أشير إلى عزم حكومة الولاية على تسليم المعتقلين للمحاكمة بتهمة مخالفة قرار الحظر. ودافع مكواج بشدة عن قراره، معتبراً أن العادة تشجع على الكسل وتعطل الإنتاج، لأنها تقام في موسم الزراعة.
لكن معارضين للقرار استخفوا بمبررات الولاية بحظر الطقس، مشيرين إلى أن عمليات الزراعة لدى قبائل الدينكا تجري وفق ترتيبات دقيقة، وتقسيم للمهام بشكل منظم، ما ينفي تأثير عادة التسمين عليها.
ويرى الباحث في التراث الجنوبي دينق قوج أن من الصعب فهم عادة التسمين بعيداً عن مفهوم الحياة ونظرة قبائل الدينكا لها. وأكد أنها تمثل الطقس الوحيد الذي يخلو من العنف الجسدي بين الأسر والعشائر في معسكرات الأبقار.
وذكر أن الفائز في المسابقة لا يقدم له شيء مادي، بل يحتفل به معنوياً وسط العائلة أو العشيرة. وأردف “تصل ذروة الاحتفال بتأليف الأغاني الحماسية والفخر”، لافتاً إلى أن الهدف من التقليد إظهار قدرة العائلة على توفير كم هائل من الألبان لتغذية المنافس أو المنافسين، ما يعني قدرتها المادية وامتلاكها لعدد ضخم من الأبقار المدرة للبن في موسم تقل فيه الألبان غالباً.
وانتقد قوج خطوات حكومة قوقريال بمحاربة العادة، وقال: “حياة الشعوب لا تقاوم، وأي عادة في مجتمع ما مرتبطة بمنظومة الحياة الكلية فيه”.
ويرى أستاذ الصحة النفسية علي بلدو أن عرف التسمين يمثل موروثاً نُقل شفاهة من جيل إلى آخر، ويمثل إحدى علامات التمسك بالقبيلة والتواؤم مع الأعراف والتقاليد.
وأوضح “أن الشباب والرجال يشعرون بنوع من الثقة بالنفس، والتعبير عن الكينونة عند ممارستها، وبالفخر عند الانتصار وكسب إعجاب الاخرين خاصة السيدات”.
ويرى بلدو أن أي تعامل مع مثل تلك العادات بالعقوبات والاعتقال والحبس وخلافه لن يجدي نفعاً، وإنما قد يقود لثورة شعبية وهروب جماعي، وفرض طوق من السرية على ممارستها، وما يمكن أن يتسبب أيضاً بتعقيدات أمنية وجيوسياسية.
ولفت إلى أن الأمر قد يقود ممارس العادة إلى حالة نفسية سيئة تدفعه لارتكاب جريمة قتل، أو إيذاء نفسه بالانتحار وخلافه لشعوره بالاكتئاب الشديد، مشدداً على التعامل مع تلك العادة عبر النصح واللقاءات المباشرة، لا سيما مع السلاطين، والتوعية المجتمعية عبر الحوار ومسرح السرد فضلاً عن التدرج في مكافحتها.
العربي الجديد