وزير الثقافة السابق يفتح قلبه لـ(عاش من شافك)
يرى السموأل خلف وزير الثقافة السابق أن المتصوفة شديدو الصلة بالسياسية، وضرب لنا مثلاً بمتصوفة قادوا العمل السياسي، وكنا نظن أن إعلان تصوفه فيه ترك للسياسة التي جعلت كثيرين يكابدون المشاق، وظننا أن الرجل عندما أعلن تصوفه قد اعتزل الناس، السموأل لم يفاجئنا عندما قال إن السودان جوهر أزمته ثقافية في المقام الأول، هذه النظرة قد تدفعنا للنظر مرة أخرى إلى قضية الهوية، وكيف أن كل طرف يحاول أن يشد الآخر إلى ثقافته في السودان. في هذا الحوار طرح آراء عديدة لها صلة بتجاربه السابقة والراهنة، والتي بسببها سيتخذ قرارات صعبة كما قال لنا:
*أين اختفى السموأل هذه الأيام؟
أحد مطلوبات التصوف إخفاء النفس وقتلها
*ولماذا قتلها؟
– لأن أكبر شيء أن يسكتبر الناس، لذلك الفرق بين معصية ابليس ومعصية ابونا آدم عليه السلام، أن الأولى كانت استكباراً والثانية كانت خطأ’ لذلك الله حكم على ابليس بالكفر، وعفى عن آدم بل جعله نبياً والله يقول ( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني إياهما أخذته.
*ومن صفات المتصوفة أنه لا يغضب بسهولة؟
من قال أنا حليم امتحن بالاستغضاب، ومن ادعى الكرم امتحن بالطلب منه
*وماذا تقرأ الآن ؟
– أقرأ التصوف وبالضبط هذه الأيام اقرأ كتاب الفتح الرباني للشيخ العارف بالله عبدالقادر الجيلاني، وهذا الكتاب الذي يملأه التوحيد الى مشاشة
*حتى لغتك تغيرت؟
– مشكلة الناس حسب ما أرى هي مشكلة إخلاص الى الله
*هل تعني الناس عموماً أم الموجودين في السلطة؟
أعنى الناس عموماً، ولعل ماروته آمنة بنت وهب عن أول نزول لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قالت(عندما وضعته خر ساجداً ثم رفع رأسه الى السماء) وفي رواية أخرى قبض قبضة من تراب ثم أشار بأصبعه الى السماء) ماذا يريد أن يقول: إنني سامرغ وجهي بالتراب واضع أنفي على الرغام وأسجد وأخضع وأخشع، ولكن كل ذلك مربوط بالسماء، لذلك كان سماوياً عليه الصلاة والسلام إذا تحدث عن الأدب(أدبني ربي) إذا تحدث عن العلم (علمني ربي) (وقل ربي زدني علماً)، لذلك عباد الرحمن الذين يسيرون على نهجه أقلقوا كل الأبواب إلا باب العزة والمولى، فإذا سألوا لا يسـألون إلا الله، واذا استعانوا لا يستعيوا إلا بالله، فهم ربانيون يعرفون طريقهم الى الله، والله تعالي يعينهم على ذلك (إنني معكم أسمع وأرى) ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا)
*وهل أنت حزين؟
لست حزيناً بل زادتني القراءة في التصوف فرحاً.
السلطة والمال والجاه كلها سبل الى الانشغال، لذلك كان العارفون بالله يهربون من هذه الثلاثة
*هارب إذن؟
– أنا في طريقي الى الهروب، مازلت اتفيأ ظلال ما اقرأ
*الى أية درجة أنت بعيد ؟
– مازلت أخالط الناس وأسير بينهم في دروس منتظمة في العديد من المساجد والمواقع الدعوية.
*وإذا خيرت للعودة الى السلطة؟
– في الأصل أنا لم اك في السلطة أنا كلفت بحسب ما رأى الذي كلفني بأنني يمكن أن أقدم بعض الشيء في مواقع اقرب الى تخصصي وهواياتي ومعرفتي.
*الأصح مواقع؟
– كلها في اتجاه واحد وهو مجال الثقافة والإعلام.
لكن هناك من قال إن (مرقت) غاضباً؟*
هذا السؤال ليس وقته وقد تحدثت في ذلك وهو موضوع لا يهمني
*لكنه تاريخ؟
– عندما يحين الوقت سأكتب هذا التاريخ
*كثير من السياسيين عندما تعصف بهم رياح السياسة يتجهون الى التصوف؟
– هناك ظلم للمتصوفة أنهم بعيدون عن السياسة وعن الجهاد وسياسة الناس، لكن الذي يقرأ يمكنه أن يجد أن كبار المتصوفة، لم يغيبوا عن حقل من حقول الحياة، ودونك القائد الاممي العظيم صلاح الدين الأيوبي, والشيخ عبدالقادر الجيلاني الذي كان عالماً وزاهداً ومربياً، والإمام الصرصري الذي مات شهيداً في سبيل الله
*هل شعرت بانك ظلمت؟
– الله سبحانه وتعالى علمنا أدباً، وهذه رسالتي لمن يقرأ هذا الحوار العمل بقوله تعالى ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
*تتابع القنوات هذه الأيام؟
لا اتابعها-
*حردان؟
لا .. إنما انا متفرغ للعبادة-
*والسياسة؟
-لا اتابع السياسة أيضاً
*بقيت زول حلة؟
– انا لا أُأطر نفسي في مكان واحد، أصلي في عدد من المساجد ولدي مشروع دعوي.
*على ماذا يقوم مشروعك الدعوي؟
– يقوم على توظيف الآداب والفنون وكل المواعين التي تسع الدعوة، بوسطية وتصالح مع الكون، أنا أصلاً اؤمن أن الفنون ماعون للجمال دونك الشعر والقصة والرواية والدراما، فمثلاً السينما شاشة بيضاء مابها من سوء فيصب عليها بعضهم السوء، فلماذا لا ننصب نحن عليها الخير.
*ندمت على الوظائف التي تقلدتها؟
– أنا لم أندم على وظيفة عملت فيها لأنني ابليت بقدر استطاعتي ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يكلف الله الا ما اتاها ولكن
الوظائف العليا تحمل الإنسان أعباء حتى بعد أن يتركها.
*كيف؟
عندما تخرج من الوزارة تقل امامك الفرص، لذلك الطريق الوحيد الى العمل هو العمل الحر، ومعظم الوزراء السابقون ينشئون شركات ومكاتب خاصة وهناك من يهاجر.
*وأنت هل ستهاجر؟
– كل الاحتمالات واردة ومتاحة.
*إذن فكرت في الهجرة؟
فكرت كثيراً وحاولت.-
وماهي النتيجة؟
مازلت المحاولات جارية للهجرة.-
*غرباً أم شرقاً؟
المؤمن كالغيث أينما وقع نفع
* وزير سابق ستكون مشكلة في الخارج؟
-نعم في الخارج أيضاً يتحفظون على كلمة وزير سابق
*في رمضان تعاني من شيء؟
-أعاني فقط من مرض السكر
*تشارك في إفطارت خارج المنزل؟
في الغالب إلا لظروف صحية
*أحيانا لا تصوم؟
أصوم بأمر الطبيب واستشارته
أتقدم الدعوة للإفطار معك؟
في الغالب أقدم دعوات أسرية-
*الرصيد الذي تعول عليه الآن؟
-علاقاتي بالوسط الفني والثقافي والأدبي.
*لماذا ؟
– لأن بيني وبينهم صلات استمرت زمناً طويلاً في العام والخاص
*الألم والعجز ايهما الأكثر خوفاً؟
-لا اقول الألم إنما (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).
*حفظت القران؟
ابتلاء والقرآن حدثنا
الآن احفظ في القرآن ولي فيه اربعة اوراد، ورد التلاوة وورد الحفظ وورد التعلم وورد التطبيق.
* اعتزلت الناس؟
– القرآن ليس كتاب عزلة ولكن الإنسان إذا أراد أن يكون فاعلاً في مجال الدعوة فاساسه هذا الكتاب.
*لكن هناك اعتكاف والرسول(ًَصلى الله عليه وسلم) قام بها؟
– الخلوة مهمة نعم فقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يختلي في غار حراء، وكذلك لدي الآن دراسات في النفس في القرآن لأنك اذا لم تعرف نفسك لا تستطيع أن تعرف الناس.
*وماهي تقسيمات النفس في القرآن؟
النفس في القرآن تنقسم الى ثلاثة نفوس النفس الأمارة بالسوء وهي التي تأمر الإنسان بفعل السيئات (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم )، فهي نفس تسيطر عليها الدوافع الغريزية وتتمثل فيها الصفات الحيوانية وتبرز فيها الدوافع الشريرة، والنفس اللوامة وهي التي أقسم بها الله (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)
فهي نفس متيقظة تقية خائفة متوجسة، تندم بعد ارتكاب المعاصي، قال الحسن البصري إن المؤمن والله ماتراه إلا يلوم نفسه
والنفس المطمئنة ( يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)، فهي نفس تتمسك بالحق وتسير عليه هدى ونبراساً في شؤون الحياة.
*والى أين تسير؟
– أسير نحو النفس المطمئنة
*إذن تحمل معك غربالاً تصفي به؟
هذا هو فالغربال سعى لتزكية النفس
*وهل وصلت الى خلاصة؟
لم أصل بعد
*الوصول صعب؟
– الوصول الى مرحلة تكون فيها الأقوال والأفعال التي تصدر منك ولا تندم عليها هي المبتغى.
*هذه مسالك ودروب تفضي الى الثقة في النفس ؟
– ليست الثقة في النفس ولكن الإيمان القاطع بأن ما يأتي اليك من الآخرين خيراً أو شراً إنما هو أمر الله.
أتثق في الآخرين؟*
– الإنسان الموحد يغلق كل أبواب الرجاء إلا في الله
*لذا يجب أن نعول على الآخرين؟
-طبعاً
* تشعر بالأرق؟
– انا مصاب بالقلق والقلق غير الأرق
*وماذا ما يقلقك؟..
وقال تعالى(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هذا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)..
وأكثر ما يؤرقني حال الأمة الإسلامية التي كانت في مقدمة الركب الإنساني فاصبحت في المؤخرة، وبين الحالين فرق شاسع.
*يقال إنك مقرب من علي عثمان محمد طه؟
– انا شيخي الأول الرسول صلى الله عليه وسلم، والشيخ علي عثمان قدوتي أحبه وأجله واحفظ له جمائل كثيرة
مثلا؟*
-جمائل على كافة المستويات
*لديك جمائل على الناس؟
-والدي سماني على السموأل اب عاجيا الذي كان يضرب به المثل في الوفاء
*وهل هناك أوفياء لك؟
– كثيرون يحفظون الود
*كيف تتخذ قرارتك السياسية؟
-لم اتحذ اي قرار سياسي إنما كانت في مجال العمل الثقافي، وكنت اعتمد على التشاور مع الإخوة في هذه المجالات.
*قرار التعيين والفصل في وزارة الثقافة سياسي؟
-أنا دخلت وخرجت من الوزارة لم أعين أو أفصل أحداً وحتى طاقم مكتبي لم أغيره.
*لكن المحرك الأساسي لأي عمل أو نشاط ثقافي باطنه سياسي؟
-أنا ملتزم بقرارات الحزب الذي انتمى اليه مصحوباً بقناعات أن السودان يجب أن يكون مفتوحاً للجميع فلم أعزل أحداً، بل كانت العلاقات بيني والآخرين قائمة على الاحترام والمودة والحب والتعاون
*لكنك منفذ ثقافي لقرارات حزبك السياسي؟
– أنا أصلاً لم تك لدي ميول الى العمل السياسي كل جهدي منذ أن كنت طالباً أميل الى الجانب الثقافي فقد يصطرع الناس على كرسي الحكم
*الصراع بين المثقف والسياسي أزلي؟
-لا أرى أن هناك صراعاً ، المحجوب والازهري ومحمد خير المحامي جاءوا الى السلطة عبر الثقافة حتى الاستقلال كان نتيجة لحراك ثقافي في نادي الخريجين والجمعيات الأدبية، فإذا التقت السياسة بالثقافة وإذا اتيح للثقافة أن تقود الحياة لوجدنا حلاً لمشاكلنا
* تود أن تقول إن مشكلة السودان ثقافية؟
100% مشكلة السودان ثقافية فالسلام قضية ثقافية والإنتاج والاستهلاك واحترام الزمن لأننا هنا نتحدث عن سلوك حضاري وركائز المعرفة ثلاث التعليم الثقافة والتربية، ولن تتقدم حضارة بدون هذه الركائز.
* أصعب قرار اتخذته؟
سيأتي في الأيام القادمة
*وأفضل قرار ؟
-أعتقد أن أغلب قراراتي كنت موفقاً فيها لأن إخلاص النوايا مهم وأي عمل لابد أن تكون راضياً عنه
*و أسوأ قرار اتحذته؟
– ليس لدي قرار سيئ في حياتي لأنني أحسب كل تحركاتي.
حوار – مصعب محمدعلي
صحيفة آخر لحظة