هل من مغيث؟ عمالة الأطفال.. موارد بشرية مهدرة
تعد عمالة الأطفال خطراً يواجه كل طفل، ولاسيما أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه وهو في سن يحتاج فيها لحماية ورعاية أكثر، لكن الظروف التي يمر بها الإنسان تجعله مجبراً على أن يعرض فلذة كبده للمخاطر، فالحاجة للطعام والعيش بكرامة يصعب الحصول إذا لم نعمل، لكن عمل الصغار بهذه الطريقة مهدر للكرامة الإنسانية والموارد البشرية المستقبلية، فهل من مغيث؟
في الأثناء، أشارت أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الخرطوم د. سمية أزرق إلى أن عمالة الأطفال بشكلها التقليدي قديم في السودان. وقالت: “كانت الأسر في سابق العهد تُكثر من الولادة سعياً في استخدام أبنائها في أعمال الزراعة والرعي لإدرار المال، وكان ذلك الفهم السائد في ذلك الوقت، أما في الدولة الحديثة ظهر مفهوم العمالة بشكله الحالي مع الجفاف والتصحر في منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات بعد أن تحول الشماسة والمشردون إلى عمال”. وأضافت: “ورغم أن تلك العمالة يمنعها القانون إلا أن الظروف الاقتصادية المزرية خدمتها بخروج الأطفال إلى الشارع بحثاً عن ما يسد حاجة أسرهم ولو بالقليل”.
تشعب الأسباب
ولفتت د. سمية إلى أن العمالة تتشعب أسبابها مع مرور الزمن وتطور الأحداث حتى باتت تفوق الأخيلة والتصورات. وقالت: “بعد آخر دراسة أجريناها وجدنا أن هناك أسباب أخرى زادت من ارتفاع نسبة عمالة الأطفال”. وتابعت: “غير الفقر وحاجة الأسر لزيادة الدخل أصبحت للأطفال طموحات تخرجهم للعمل وإن كان ذلك من وراء أسرهم”، مشيرة إلى رغبتهم في امتلاك هاتف ذكي والخروج مع الرفاق في نزهة. وأكدت د. سمية أنها طموحات تحتاج لمال وتفوق إمكانيات أغلب الأسر. وأردفت: “ما يشجع أصحاب الأعمال استخدام الأطفال أنهم عمالة رخيصة ويؤدون العمل كما الكبار تماماً، ويمكن التخلص منهم بسهولة، وكلها انتهاكات غير إنسانية وينعدم فيها الضمير”. ونبهت د. سمية إلى ظهور عمالة جديدة مع ستات الشاي يساعدونها في نقل المياه أو تقديم الطلبات للزبائن.
مورد بشري
وبحسب الباحثة الاجتماعية يعد أي طفل مورداً بشرياً مستقبلياً، والموارد البشرية أهم عناصر التنمية، لذلك تؤكد إذا أرادات المجتمعات أن تنمو يجب أن تستثمر في مواردها البشرية وتنميتها تنمية حقيقية بالاهتمام بتعليمهم وصحتهم وتنشأتهم تنشئة اجتماعية سليمة، فضلاً عن إعداد الخطط والاسترتيجيات التي تحدد ما يراد من إنسان السودان بعد (20) أو(50) سنة، ودعت شرطة حماية الأسرة والطفل بالتقليل من الظاهرة بمحاربة استغلالهم أو إساءتهم التي تؤثر في صحتهم ونموهم تأثيراً سالبياً وبالتالي على المجتمع، فلابد من تدارك المشكلات وإعادة الموارد البشرية المهدرة.
حياة كريمة
وترى الاختصاصية النفسية سلمى جمال الدين أنه بالرغم من أن كل الاتفاقات والمواثيق الدولية والوطنية تكفل للطفل حقه في العيش بحياة كريمة بعيداً عن الإساءة أو الاستغلال بواسطة عمالة الأطفال إلا أن الأسباب التي تخرج الطفل إلى الشارع وتجبره على العمل لم ولن تزول. وقالت: “ذلك لعدم جدية الدولة في إيجاد حلول ناجعة تنتشل هؤلاء الأطفال من الفقر المدقع الذي يعيشون فيه وسط أسرهم التي تعاني لتوفير لقمة العيش بكرامة وإنسانية في ظل الغلاء والأوضاع الاقتصادية المتدنية، بالإضافة إلى الحروب والنزاعات التي تؤدي لتشتيت الأسر ومن ثم تفكك المجتمع”.
عُرضة للانتهاكات
ومضت قائلة: “السودان يخلو تماماً من العمالة المؤسسة والمنظمة في المصانع والمؤسسات، لكنها تكثر بشكل مخيف في أعمال الصنائع والأعمال الهامشية، وتساءلت: أين اللوائح والقوانين الخاصة بالطفل التي وقعها السودان في (2010)م وتلزمه بحماية الأطفال من الاستغلال أو الإساءة؟ وأكدت أن الحماية تكون بتوفير بيئة أسرية حامية لا تتوفر في ظل الضغوط التي تتعرض لها، فتسمح لأطفالها الخروج للعمل ومساعدتهم في رتق نسيج الأسرة الاقتصادي. ولفتت إلى أن الطفل الذي يفرض عليه عمله وجوده في الشارع منذ العاشرة صباحاً يكون عرضة للعديد من الانتهاكات التي تؤثر سلباً في سلوكه مستقبلاً، وقالت: “غير أن تعامله مع الأشخاص الأكبر سناً تجعله مشيباً وهو لا يزال طفلاً بعد تعلمه ألفاظاً وسلوكيات تفوق سنه كذلك ممارسة عادات ضارة كتعاطي التبغ أو التمباك، وهذا انتهاك لحقه في العيش كطفل، ويكون عرضة للانحراف في أي مرحلة من حياته”.
حسرة وقهر
وأكدت سلمى أن العمالة في سن مبكرة تعود على الطفل بتأثيرات سالبة تنعكس في سلوكه الآني والمستقبلي. وقالت: “مقارنته بالأقران الذين توليهم أسرهم رعاية وعناية تجعله شخصاً معقداً وانطوائياً ولاسيما في ظل أرض خصبة عمقت بداخله إحساساً بالحقد الحسرة والقهر، خاصة أولائك الذين يمتلكون مقدرات عالية، ولم تتوفر لهم الفرص واستغلالها بشكل صحيح. ونبهت الاختصاصية النفسية إلى أن الأغلبية العظمى منهم يصبحون في المستقبل أشخاصاً غير سويين ومشتتي الذهن جراء الرواسب السالبة التي تنعكس على أدائهم. وحملت سلمى المسؤولية كاملة لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي باعتبارها الجهة المسؤولة مسؤولية مباشرة عن هؤلاء الأطفال وتوفير بيئة حامية لهم. وقالت يجب أن تضع خططاً واستراتيجية مستقبلية طويلة المدى تبدأ بطفل اليوم. وتابعت: “وضع اليد موطن الجرح يشفي، فصغير اليوم هو رجل الغد وهو مسؤولية الدولة، لذلك عليها التركيز على الأساسيات والابتعاد عن المواضيع الانصرافية”.
اتفاقات وقوانين
من جهتها، أشارت تهاني الحاج أمين أمانة رعاية الطفولة إلى أن السودان صادق على عدد من الاتفاقات والمواثيق الدولية والإقليمية، فضلاً عن القوانين والتشريعات الوطنية التي تعاقب على استخدام الأطفال منذ أول تشريع نظم استخدام الأطفال في (1930) وحتى قانون الطفل (2010) الذي تحدث الفصل السابع منه عن عمالة الأطفال في (7) مواد هي الآن مشروع لائحة تنظم عمل الأطفال ينتظر إجازتها من قبل رئيس الجمهورية لتدخل حيز التنفيذ. ولفتت إلى أن القانون يسمح للأطفال من سن (14 – 18) سنة العمل بشرط أن تكون أعمالاً لا تضر بصحتهم البدنية ويراعي فيها أصحاب العمل حقوقهم كافة.
علاج كُلي
وقالت تهاني: “تتعدد أسباب عمل الأطفال لكنها تحتاج لوقاية وعلاج وتأهيل، ونحن في المجلس والجهات ذات الصلة نبذل جهوداً مضنية حتى تحل مسألة عمالة الأطفال حلاً كلياً وليس جزئياً، ولاسيما أن إحصاء (2008) إسقاط (2015) أوضح أن عدد الأطفال الذين يعملون في مختلف القطاعات الاقتصادية بتركيز خاص على قطاعات الزراعة والرعي والتعدين نحو مليون طفل. وتابعت: “نحن كجهة منسقة نعمل مع وزارتي التربية والتعليم والرعاية والضمان الاجتماعي المنوط بهما التنفيذ لحل هذه القضية التي تقلقنا كثيراً، فوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي لديها مشروعات لمكافحة الفقر ودعم الأسر، والآن معتمد محلية بحري لدية مشروع (درداقة مقابل التعليم)، وتحفيزاً للأطفال جعل رسوم الدرداقة (واحد جنيه) أما من فاتهم قطار التعليم يسعى لإلحاقهم بالتدريب المهني، بالإضافة إلى رفع وعي الأطفال والأسر وأصحاب العمل، وطالبت تهاني المسؤولين والسياسيين بوقف النزاعات والصراعات المسلحة التي تقود إلى نزوح المواطنين وتشتيت الأسر التي من شأنها إفراز عمالة جديدة.
الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي