جعفر عباس

أبراج مبرجلة


الآن.. وبعد أن «ضمنت» مستقبلي ونجحت بحمد الله في «تكوين نفسي»، أستطيع ان أتفرغ لفعل الخير، بعد أن نما إلى علمي مؤخرا أنني من مواليد برج العذراء وحسبما أفاد فلكي عربي آلوسي ألمعي فإنّ أمامي مستقبلا باهرًا في مجال العواطف والوجدانيات.. بالطبع كنت أفضل مثل ذلك المستقبل في مجال المصارف والدولارات، ولكن لا بأس، فمن عادتي ان أرضى من الغنيمة بالإياب، وعسى ان تقودني وجدانيات صاحبنا الفلكي إلى عانس عاقر.. بس تكون ثرية؛ لتأخذ بيدي في هذا المنعطف الحاد من تاريخ أمتنا الباسلة.
المهم.. فعل الخير الذي أعتزم القيام به هو ان أُطلع بعض القراء على ما تخبئه لهم أبراجهم خلال العام الحالي استنادًا إلى تنبؤات خبير فلكي حاصل على الدكتوراه يزعم على نحو غير مباشر أنه متخصص في «علم الغيب»! عليه اللعنة، وهو لا يتباهى بذلك من فرط تواضعه، ويكتفي بنثر الدرر أمام جماهيره الواعية المستنيرة كي تعرف مواطئ أقدامها وما ينتظرها في قابل الأيام.
والرأي عندي هو أن تواضع صاحبنا هذا في غير موضعه، وخير له ولجماهيره أن يدعي الألوهية. فقط انصحه أن يفعل ذلك بعد أن يضمن لنفسه جواز سفر أوروبيًا محترمًا (يعني بلاش اليونان وصربيا وقبرص وأخواتهن). فإذا ادَّعى الالوهية وقام بتسجيل «البراءة» لدى هيئة أوروبية أو أمريكية محترمة فإنه سيضمن أيضًا ولاء ملايين الغربيين، الذين سيقولون إن بعض المسلمين مستنيرون وفيهم الخير.. بل قد يشجعون مدعي الألوهية ذاك أن يعمل على إعادة برمجة وفرمتة المسلمين بحيث يتخلون عن الكتاب والسنة ويدفعون له بضعة ملايين.
يقول صاحبنا إن مواليد برج العقرب سيتعذبون من «فقدان التفاهم». يستأهل العقربيون ما هو أكثر من ذلك… ثم تمضي البشرى «امكان اضطرابات في الدورة الدموية أو الدماغية.. كن حذرًا». كذا بالجملة يا ملايين مواليد «العقرب». الدوام لله
وماذا عن برج الجدي؟ والجدي في لسان العرب قد يكون التيس.. المهم أصحاب هذا البرج سيلتقون أصدقاء أوفياء يقضون معهم أوقاتًا لطيفة. وبما أن البرج يحمل اسم التيس فلا بدَّ أن يكون «الأصدقاء الأوفياء» من الماعز، ولكنني لا أفهم كيف يكون الماعز وفيا؟! فالمعروف والثابت علميًّا أن الماعز يمارس الخيانة الزوجية غير عابئ بمشاعر التيس الذي قد يكون معها في الزريبة نفسها؟
أما أهل الحوت فإليهم ما يأتي: «أعمالك ستكون مشرفة وتحمل تحسنًا واضحًا. وعليك أن تواجه إخفاقاتك المرتفعة». ما هذا؟ ما العلاقة بين الأعمال المشرفة والإخفاقات؟ وكيف يكون الفشل مرتفعا أو منخفضا؟ يذكرني هذا بضاربة ودع قالت لي ذات مرة: عمرك طويل ولا تموت إلا إذا أجلك «تمّ»، وقد نفحتها أمي مبلغًا ضخمًا لأنها تنبأت بأنني لن أموت إلا إذا أتاني عزرائيل.
ثم اقرأوا معي ما ينتظر جماعة «السرطان»، «كوكب المريخ سيربك علاقاتك ويضع في طريقك أشخاصًا من ذوي السمعة المريبة». هؤلاء السرطانيون أيضًا «يستأهلون» ما ينتظرهم، فمن الواضح أن حظهم أسوأ من حظ مواليد برج «البواسير». ويحاول صاحبنا الفلكي مواساة السرطانيين فيقول لهم: «كوكب الزهرة يحميك ويرعاك» ولكن هيهات، فماذا تساوي الزهرة امام المريخ هادم اللذات ومفرق الجماعات؟
وبوصفي «عذراء» ومن الذين وصفهم الخبير الفلكي بـ«الجاذبية»، ومن الموعودين بالقفزات العاطفية، فإنني اتقدم بخالص العزاء والمواساة إلى المنتمين إلى التيس والملدوغين بالعقرب والمصابين بالسرطان، وأنصحهم بالتخلص من شهادات ميلادهم الأصلية والحصول على شهادات «تسنين» تتيح لهم التحول إلى عذراوات، مع الأخذ في الاعتبار أن العذرية قد تعني البوار والعنوسة، وهي على كل حال قد تكون أفضل من قرين السوء. وقبل أن أضع القلم أعتذر للمجني عليهم بالرغم من أنه لا ذنب لي فيما كتبت، وناقل الكفر ليس بكافر، ومن لم يعجبه «برجه» فعليه بصاحبنا الفلكي الذي يقال إنه يعيد النظر في التكهنات مقابل مبلغ رمزي!