عبد الجليل سليمان

رضاعة كسلا.. وفِطام القضيِّة


تصدر خبر مُجيَّر من حوار، عناوين عدد أمس من يوميتنا هذه، والخبر أن والي كسلا وخلال حديثه مع الصحيفة عن تجربة حوسبة المرتبات في ولايته، قال إنها كشفت عن تجاوزات كثيرة، ضمنها أن علاوة الرضاعة كانت تصرف للجميع موظفين وموظفات دونما استثناء لأحد.
الخبر أثار موجات من ردود الأفعال المتفاوته بين السخط والسخرية والغضب واللامبالاة، وكثير من التعليقات الأخرى التي يمنع نشرها بموجب قوانين الصحافة والمطبوعات السارية في البلاد، إلاّ أننا هنا لن (نستسلم) لإغواء العنوان الكسلاوي، سنقطف منه فقط ثم نمضي إلى ما هو أعمق، ربما.
بطبيعة الحال، أورد الوالي مسألة علاوة الرضاعة الرجال في سياق حديثه عن (الفساد) في الخدمة المدنية (المُتمكنة) والمُسمى رسميّاً تجاوزات، ومنه تسيب الموظفين وتسربهم، بجانب العلاوة المثير للجدل.
لكن، وفي واقع الأمر، ينبغي التعاطي مع هذه العلاوة بحذر شديد، قانونيًا وشرعيّا ولغوياً، فمن الجهة الأخيرة (اللغوية)، فإن الرجل الرضّاع، تعني الرجل اللئيم، ولولا أن بعض رجال الخدمة المدنية الكسلاوية رضّاعون، بمعنى (لئام) لما سمحوا لأنفسهم بقبول تلك علاوة محتذين حذو رصيفاتهم النساء قدمًا بقدم وساقًا بساق وكتفًا بكتف وصدرًا بصدر.
كل ذلك هيّن، فالأنكأ للجراح هو أن والي كسلا لم يقل شيئًا عن ما ترتب على قضية الرجال الرضّاعين، وهي قضية فساد من الدرجة الأولى من وجهة نظري، بعض النظر عما إذا كانت تلك العلاوة تضعهم في خانة المتشبهين بالنساء أم لا. فذلك لا يهمني كثيرًا، بقدر ما تهمني الأموال التي سُلبت وحلبت لسنوات طويلة تحت هذه العلاوة العجيبة، فلماذا لم يُحدثنا الوالي عما إذا كانت حكومته بصدد محاسبة المُرضع والمُسترضع، أم أن الموضوع سيُفطم في هذه المرحلة ويغلق ملف الإرضاع الكسلاوي مرة وإلى الأبد.
أكثر من ذلك، فإننا ومن هذا المنبر، كما يقول الخطباء، نناشد آدم جماع، باستدعاء كل من (استعطم واستشرب واستلبس) من علاوة الرضاعة إلى اجتماع على طريقة فقه السترة، لأن الموضوع شديد الحساسية، إذ كيف يتسنى لأحدهم مرضعًا كان أم مسترضعًا، أي الذي نال العلاوة والذي صادق عليها، أن أن ينام ملء جفونه مرتاح البال مطمئن الضمير، وفي بطنه طعام وشراب أو على جسده ثياب دفع ثمنها من علاوة رضاعة، كيف له أن يسفر لأسرته أبناءه وزوجته وبناته والأقربين والجار الجنب والبعيد عن وجهِ صلب متماسك وفيه (غرة رضاعة)، لذلك فإن فقه السترة هنا مقبول ومعقول بشرط أن تُستعاد الأموال التي (رضعها) الرجال على حين غرة وغفلة أو بتدبير وتخطيط إلى خزينة الولاية، وأن لا يسمح لأحد بالتحلل منها، مهما علا أو دنا.
وإن كان ثمة اقتراح أخير لوالي كسلا، فعليه أن يتستصحب في اجتماعه هذا أغنية الكابلي الشهير (كسلا أشرقت بها شمس وجدي…. الخ) مع بعض التحوير والتأويل.